عادي

ليبيا.. عقبات على طريق المصالحة

23:35 مساء
قراءة 4 دقائق
جانب من المشاركين في الاجتماع التحضيري للمصالحة الوطنية بزوارة (وال)

د. محمد فراج أبو النور*

شهدت ليبيا في الآونة الأخيرة، وبصفة خاصة خلال الأيام القليلة الماضية، زخماً كبيراً من التحركات والاتصالات والاجتماعات التي تشارك فيها أطراف محلية ودولية عديدة بهدف تحريك الأزمة الليبية من حالة الجمود المسيطرة عليها منذ سنوات، والشهيرة باسم حالة «الانسداد السياسي».

تواصلت خلال الأسابيع الماضية الاجتماعات التحضيرية لمؤتمر المصالحة الوطنية، والتي يقودها المجلس الرئاسي ورئيسه محمد المنفي، ويشارك فيها عدد كبير من ممثلي الأحزاب والتجمعات والشخصيات السياسية والقبلية، وتم الاتفاق أخيراً على عقد «المؤتمر الجامع للمصالحة الوطنية» في مدينة سرت يوم 28 من شهر إبريل(نيسان) ومعروف أن الاتجاه الذي يمثله «سيف الإسلام القذافي» كان قد ساهم في عدد من هذه الاجتماعات، تم انسحاب منها احتجاجا على عدم الإفراج عن بعض رموز النظام السابق، وفي مقدمتهم عبدالله السنوسي رئيس المخابرات الأسبق، وتجري محادثات مع فريق سيف الإسلام لإقناعه بحضور «المؤتمر الجامع» في سرت ومعروف أن هذا الاتجاه يتمتع بوزن سياسي وجماهيري كبير، يجعل حضوره ضرورة لنجاح المؤتمر.

ومن ناحية أخرى فقد شهدت العاصمة الكونغولية برازافيل (5-6 فبراير الجاري) اجتماع اللجنة رفيعة المستوى لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي حول ليبيا، ونجحت اللجنة «القمة» في وضع اللمسات الأخيرة لترتيبات اجتماع مؤتمر سرت للمصالحة الليبية، ودعمها للمؤتمر، الذي سينعقد برعاية الاتحاد الإفريقي والمجلس الرئاسي الليبي، وتضم اللجنة المذكورة عشر دول إفريقية، في مقدمتها مصر والجزائر وتونس والسودان والنيجر (دول جوار ليبيا).

وتهدف جهود المصالحة الوطنية إلى مداواة جراح الصراعات الدامية التي شهدتها ليبيا، وتخفيف حدة الانقسامات بين القوى السياسية والأقاليم، والاتفاق على أسس التعايش بين مختلف الأطراف بما يخلق مناخاً مواتياً لاستعادة اللحمة بين أبناء الوطن الواحد وإجراء الانتخابات على أسس ديمقراطية، وهو ما تعهد الاتحاد الإفريقي بتقديم الدعم له.

دور فرنسي في التسوية

الرئيس الفرنسي ماكرون بدوره أكد دعمه لجهود المصالحة الوطنية في رسالة بعث بها على «المنفي» وحملها المبعوث الرئاسي الخاص رفيع المستوى بول سوكير الذي اجتمع أيضاً بالمشير حفتر والمبعوث الدولي عبدالله باتيلي، وقام بجولات مكوكية بين طرابلس وبنغازي، ونقل إلى السياسيين الليبيين استعداد فرنسا للعب دور في التقريب بين مختلف وجهات النظر، سعياً لدفع جهود التسوية السياسي وإجراء الانتخابات.

وبالمناسبة، من المقرر عقد لقاء بين رئيس البرلمان عقيلة صالح، ورئيس «مجلس الدولة» محمد تكالة في باريس قبل نهاية فبراير(شباط) الحالي، الأمر الذي يشير إلى سعي فرنسا للقيام بدور أكثر نشاطاً في ليبيا. ومعروف أن شركة «توتال» النفطية العملاقة هي من أكبر المستثمرين النفطيين في البلاد، وتدور منافسة قوية بينها وبين شركة «إيني» الإيطالية.

وواضح أن فرنسا تحاول تعويض خسائرها الاستراتيجية في دول الساحل والصحراء (النيجر ومالي وفولتا العليا) من خلال لعب دور أكبر من ليبيا، بوابة إفريقيا على البحر المتوسط، وتعزيز علاقاتها بطرابلس، بعد أن كانت تركز علاقاتها على المشير حفتر وحده، علماً بأن الدور الفرنسي من المتوقع أن يجد مقاومة من إيطاليا، بسبب المنافسة على النفط والغاز وعلى الأسواق عموماً. ومن المتوقع أن يواجه دورها مقاومة تركية بسبب الخلافات الكبيرة بين البلدين حول ترتيب الأوضاع الاستراتيجية في البحر المتوسط، ودعم باريس لكل من اليونان وقبرص في نزاعاتهما مع أنقرة.

ومعروف أيضاً أن فرنسا كان لها دور كبر في الإطاحة بنظام القذافي، ولذلك فسوف يواجه دورها معارضة من بعض القوى السياسية والقبلية المهمة، وخاصة تيار سيف الإسلام القذافي.

نشاط تركي

ولم تكن تركيا بعيدة عن التحركات الجارية في ليبيا وحولها خلال الفترة الماضية منذ قام وزير الخارجية التركية حاقان فيدان بزيارة إلى ليبيا (في 7 فبراير الجاري) بهدف «توحيد الصف الليبي ودعم المسار الديمقراطي وتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب» لكن زيارته اقتصرت على طرابلس، حيث التقى بكل من المنفي (المجلس الرئاسي) والدبيبة (رئيس الحكومة) ومحمد تكالة (رئيس المجلس الأعلى للدولة)، كما التقى بالقادة العسكريين الأتراك في مقر قيادة القوات التركية في طرابلس.

ومعروف أن تركيا هي الدولة الأقوى نفوذاً في ليبيا- وخاصة في الغرب- وتربطها علاقات وطيدة بحكومة الدبيبة، وهناك اتفاقات للتعاون العسكري والاقتصادي منذ عهد حكومة (الوفاق الوطني) برئاسة فايز السراج، كما تم الاتفاق بين أنقرة وطرابلس على تقسيم الحدود البحرية منذ عهد السراج، وتملك تركيا عدداً من القواعد العسكرية الجوية والبحرية والبرية في الغرب الليبي.

ومن ناحية أخرى فإن النفوذ التركي قد بدأ يتمدد بصورة تدريجية إلى «الشرق»، وقام عقيلة صالح بزيارة مهمة إلى تركيا (في سبتمبر الماضي) حيث اجتمع بأردوغان وبرئيس البرلمان التركي، وأعلن ترحيبه بالاستثمار التركية في المنطقة الشرقية، وتعهد بتقديم التسهيلات اللازمة لتلك الاستثمارات، وبرغبته في عودة العلاقات بين الطرفين إلى سابق عهدها، كما تم الاتفاق على افتتاح قنصلية لتركيا في بنغازي، وتسيير خرط ملاحي وآخر جوي بين الشرق الليبي وتركيا.. وذلك إيذاناً بانتهاء حالة العداء السابقة بين الطرفين.

ولا شك أن هذه التطورات مرتبطة بإدراك عقيلة صالح بأن النفوذ التركي في ليبيا يصعب تحديه في ظل علاقات القوة الحالية، وما هو واضح من أن أمريكا تعطي لتركيا الضوء الأخضر لممارسة دورها في ليبيا، وبالتالي فإن التقارب مع تركيا يبدو ضروريا لكي تماس تركيا دوراً في «تليين» مواقف «الغرب» المتشدد، وتخفيف الدعم التركي للدبيبة، لكن شيئاً من هذا لم يحدث.. وكان «الشرق» هو الذي يقدم التنازلات باستمرار.

وعلى ضوء كل ما ذكرناه من المشكوك فيه أن تؤدي التحركات العديدة الجارية في ليبيا وحولها إلى تحريك جدي للأوضاع، أو إنهاء حالة «الانسداد السياسي» القائمة، ما لم يحدث تغيير في علاقات القوى، أو ينتهي الانشغال الأمريكي بالأوضاع المتفجرة في المنطقة، من غزة إلى جنوب لبنان، وسوريا، والعراق، والبحر الأحمر، ومن المشكو فيه أن تتحرك التسوية الليبية في الأفق المنظور.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/jje5wd6a

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"