معركة حتمية

00:37 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

لا يجادل أحد في أن حسن النوايا والأفعال والمبادرات لا يكفي في حال الدول، كما هو في حال الأفراد، ففي كل الأحوال يجب أن يبقى كل تحرك محروساً بكتائب إعلامية قادرة على الدفاع والهجوم والمناورة، بعد أن اختلط حابل الوسائط بنابلها، وغثّها بثمينها.

هذه الوسائط بكل ما تملكه من «مزايا» أصبحت، للأسف، قادرة على إحداث الضجيج وتشويه المواقف، بينما الوسائل العاقلة، وحتى من اختاروا التعقل والحكمة ومقارعة الحجة بالحجة في المنصات الحديثة يقعدهم عن تحقيق بعض أهدافهم الامتثال للضمير الوطني، والقواعد المهنية التي تعلي شأن المصداقية والتحقق من المصادر والمعلومات.

في المقابل، يتحرر أغلب الوسائل الحديثة، ومعها بعض القديمة التابعة لجماعات وميليشيات، من كل القيم، ويعمد إلى خلط كل المعلومات ليختلق مواقف مشوهة، أو يجتزئ من الصحيح ما يريد ويخضعه لقواعد المواقف المؤجرة لينتج في النهاية ما يحاول به النيل من مواقف الدول وتصريحات مسؤوليها.

لا بأس من الاعتراف بأن هذه المعركة هنا ليست متكافئة، فالتكافؤ ليس مطلوباً على كل حال بين النهج الوطني القومي الإنساني للدول، والارتهان للغير ومعاداة المصالح الوطنية والاصطفاف في خانة الساعين إلى الهدم من جماعات تتستر بشعارات زائفة رغم تعبيرها عن دين أو توجه سياسي.

ورغم أن التكافؤ بهذا المعنى ليس مبتغى، فإن خوض المعركة مفروض على من تستهدفهم، ولا سبيل أمامهم إلا مواصلة السبل نفسها المعبّرة عن مصالح أوطانهم وأمتهم، بل والإنسانية. وهذا الاستمرار هو السلاح الأنجع؛ لأن المواقف الناتجة عنها تشعل الحرائق والضغائن في قلوب أصحاب التحركات القائمة على الارتزاق وخدمة مصالح جماعات وكيانات تجيد الضجيج وتحريف الكلام والتصرفات عن مواضعها.

وطبعاً، ليس أنسب لهذه الجماعات من الأزمات التي تعتبرها مواسم لرواج الأكاذيب مستفيدة، مرة أخرى، من قصر ذاكرة الوسائط الجديدة، وشعبوية معظم مستخدميها، وعدم قدرتهم على الفصل بين الصحيح والمفبرك، والإيمان بالمعلومة التي تسبق غيرها إلى الظهور، حتى لو لم تكن مستندة إلى ما يلبسها رداء الحقيقة.

ولنا في أزمة غزة المثال الأوضح، فالجماعات التي تدعي وصلاً بالدين والعروبة والإنسانية متفرغة لصك مفاهيم تخصها عن النصرة لا تكتفي بالجهاد الإلكتروني الزاعق بغير أثر على الأرض، وإنما تحشد كل الإمكانات للتقليل من الأفعال الحقيقية القانعة بالقليل من صور التعبير عن نفسها، لإيمان أصحابها بأن ما ينفع الفلسطينيين في القطاع هو ما يمكث في الأرض.

والمحيّر في أمر أصحاب الجهاد الإلكتروني أنهم مصرّون على موقفهم من أية جهة أو شخص، فالهجوم جاهز، مهما كان القول أو الفعل. تعبّر دولة عن التضامن فيسألون: وما الدليل؟ ولم التأخير؟ تتقاطر المساعدات من الدولة إلى المأزومين في القطاع، فيقطعون الطريق إليها بالتشكيك في هدفها أو محتواها.

هي معركة حتمية، إذاً، وتفرض حاجة إلى إجادة أكبر لأسلحتها، لكنها يجب ألّا تعطل الواجب، فلا يصحّ إلا الصحيح.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yx2btdkc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"