عادي

«العباب الزاخر».. لواء المعاجم

23:46 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ
اللغوي رضي الدين الحسن بن محمد الصغاني (577 - 650ه ) هو أحد كبار العلماء، ولد في لاهور بباكستان، ونشأ بغزنة في أفغانستان، واهتم بطلب العلم منذ صغره، فدرس أولاً على والده الذي كان عالماً، ثم رحل إلى بغداد، واليمن، ومكة، وحين أتى إلى بغداد سنة 595 ه، كان صيته قد سبقه إليها، ولكن الناس هناك لم يكونوا قد عرفوا ملامحه بعد، فمر ذات يوم بمجلس مُحدِّث يلقي درساً، فقرأ المُحدّث: «إذا (سكب) المؤذن يجب على الناس أن يوافقوه في الأذان»، فقال الصغاني بصوت منخفض: (سكت) بدل (سكب)، فسمعه المحدّث، وقال: من قال: سكت المؤذن، قال الصغاني، أنا، فقال المحدِّث: كلاهما صحيح، فلما انقضى المجلس وراجعوا النسخ الصحيحة من كتب الحديث وجدوا فيها كما قال الصغاني.

منذ ذلك الحين عُرف الصغاني، واشتهر أمرُه بين الناس، فاقبلوا عليه، لينهلوا من علمه في اللغة والحديث وسواهما، وكان الخليفة الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء، يبحث عن رجل مؤهل لحمل رسالة إلى ملك الهند، فلما علم بأمره، استدعاه لهذه المهمة، فظل هناك، ليعود بعد موت الخليفة، ويرسله المستنصر بالله مرة أخرى إلى الهند أيضاً، كان جوالاً في الأرض، جواباً في البلاد، ولا سيما الهند التي أقام فيها أكثر من أربعين سنة، فزار الكثير من مناطقها، وكان مولعاً بجمع الحيوانات الغريبة في داره، ما يدلّ على أنه كان في رغد من العيش.

سيرة

درس على العديد من الشيوخ، منهم: سعيد بن محمد بن الرزاز، وأبو الفتوح نصر بن الحصري، والقاضي سعد الدين بن محمد الحسن آبادي، والنظام محمد بن حسن المرغيناني، وكان له الكثير من التلاميذ في كل المدن التي عاش فيها، ومنهم: القاضي سليمان بن حمزة، وصالح بن عبد الله بن الصباع الكوفي، وعز الدين محمد بن الوزير ابن العلقمي، والحافظ شرف الدين الدمياطي، الذي قال عنه: «كان شيخاً صالحاً، صدوقاً، صموتاً عن فضول الكلام، إماماً في اللغة، والفقه، والحديث».

ترك العديد من المؤلفات في عدة مجالات، منها في اللغة: «العباب الزاخر واللباب الفاخر»، و«التكملة والذيل» الذي يقول إنه جمع فيه ما أهمله الجوهري في كتابه (الصحاح)، و«حاشية على الصحاح»، و«مجمع البحرين» الذي جمع فيه (الصحاح والتكملة والحواشي). و«الشوارد في اللغة»، كما ألف في عدة علوم أخرى، وأشاد به العلماء عبر التاريخ، ومن ذلك قول السيوطي: «إنه كان حامل لواء اللغة»، وقول الذهبي: «وكان إليه المنتهى في معرفة اللسان العربي... وله بصر بالفقه والحديث مع الدين والأمانة».

ثروة

«العباب الزاخر» اختصاراً، أو «العباب الزاخر واللباب الفاخر» في الأصل، أو «العباب الزاخر في اللغة» كما يفضل البعض، هو أحد أهم المعاجم، وهو أكبر كتب الصغاني، وكان قد ألفه لوزير المستعصم المشهور ابن العلقمي، وقد أثنى عليه العلماء كثيراً ووضعوه بين أمهات كتب اللغة العربية، فقال عنه السيوطي: «أعظم كتاب ألف في اللغة بعد عصر «الصحاح»، كتاب «المحكم والمحيط الأعظم» لأبي الحسن علي بن سيده الأندلسي الضرير... ثم كتاب «العباب» للرضي الصغاني»، وقال عنه بن أبي مخرمة: «... له كتاب العباب الذي لم يصنف مثله في اللغة»، وقال عنه بن الطقطقي: «هو كتاب عظيم كبير في لغة العرب».

ويرى الكثيرون أن هذا الكتاب يعتبر أعظم معجم في اللغة العربية حتى اليوم، ولا يساويه معجم في كثرة المادة التي يشتمل عليها، وغزارة الألفاظ التي أوردها، لأنه حوى كل ما حوته المعاجم المؤلفة قبله، خاصة ما جمعه في كتابه «مجمع البحرين»، وما أضاف إليه من مواد وتراكيب وشواهد، ومن أسماء الشعراء والمحدِّثين والصحابة، مما لا يوجد في معجم سواه، فكان كل ذلك مصدر غنى له بالشعر، والقواعد النحوية، والصرف، والبلاغة، والآداب العربية، وما إلى ذلك.

يقع الكتاب في ثمانية وعشرين جزءاً، موزعة على عدد حروف اللغة العربية، وقد سار في ترتيبه على نظام القافية، إذ يبدو أنه كان متأثرا بالجوهري في «الصحاح»، واعتمد منهجاً اشتغل فيه على تحقيق المفردات وتوثيق مصادرها، مدققاً ما في معاجم اللغة العربية من الحديث، حيث يفرّق بين ما كان منه منسوباً للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وما كان منسوباً إلى صحابي أو تابعي، ما جعله يتميّز عن أصحاب المعاجم التي ألفت قبله، رغم أنه اعتبر كتبهم مراجع بالنسبة إليه، ولكنه راجعها ليعتمد منها على أصح الروايات، فاقتصر اختياره على أقوال المتقنين الثقات، ذاكراً الكثير من المعلومات، مثل: أسماء خيل العرب وسيوفها، وبقاعها وأصقاعها، وبرقها وداراتها... إلخ، مستشهدا بالشواهد الصحيحة، غير المختلة.

وكان أول من حققه ونشره الشيخ محمد حسين آل ياسين، فنشر حرف الهمزة عام 1977 ثم حرف الطاء عام 1979 ثم حرف الغين عام 1980، وبرر نشره متفرقاً، بأن قطعه المتفرقة وأشلاءه تختلف عن بعضها بعضاً، حيث كانت بعض نسخه المخطوطة قد تأثرت بفعل الأرضَة وما شابه، وكان لزاما مقارنتها مع سواها وتدقيقها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4x4m7rvj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"