عادي

من روتشيلد.. إلى ترامب

23:12 مساء
قراءة 3 دقائق
يوسف الحسن

د. يوسف الحسن
ماذا سيقول العالم لو عاد إلى البيت الأبيض تاجر العقارات وصاحب السيرة المسمومة، المفعمة بالعنصرية والفظاظة والابتذال الأخلاقي؟ كيف ستتعامل معه، أغلبية الشعب الأمريكي، وهو الذي صعد إلى المسرح الرئاسي على إيقاع أزمات العولمة، وتوحش الليبرالية، وسياسات لا أخلاقية تجاه الملونين من سود و«هيسبانك» ومهاجرين وفقراء وعرب ومسلمين.. ومواقف ابتزازية حتى لحلفائه الأوروبيين وفي أقاليم أخرى؟

ماذا لو عاد ترامب إلى موقع الرئاسة في البيت الأبيض، في مرحلة يعيش فيها العالم أزمات خانقة، وحروباً ملتهبة، وأخرى تحت الرماد، ومنافسات شرسة في الاقتصاد والتقانة والفضاء والمناطق القطبية.. وترتفع فيها الجدر محل الجسور، وتشيع الخنادق والأنانية والكراهية، وتختل القواعد الدولية المشتركة وقيم القانون الدولي، كما يشهد العالم صعوداً قوياً للشعبوية، وتصدعات في النظام المالي العالمي، ويواجه عُمران الغرب، بشكل عام، مآزق بنيوية، خاصة في ظل توجهات لصناعة النخب السياسية، من بيئات قطاع المال والأعمال، وتعيش منظوماته السياسية والاجتماعية في مرحلة نزف معنوي وأخلاقي، وازدواجية في المعايير صارخة، إن كانت في إفريقيا أو في أقاليم أخرى؟

وفي ظل هذه المناخات، ورغم رغبة أغلبية الأمريكيين بالخلاص من بايدن وترامب معاً، فإن الأوفر حظاً ليصبح مرشحاً للحزب الجمهوري، والمتهم بجرائم محلية وفيدرالية، هو ترامب.. والمستعد لإعادة نصب مسرح اللامعقول في بيئة العلاقات الدولية، ومواصلة التحالف مع أصحاب خطابات الكراهية والعنصرية، والتأويلات اللاهوتية الإنجيلية المبشرة بمعركة «أرماجدون» الخرافية.

لا شيء يدعو للتفاؤل وسط مناخات الكآبة والقلق التي تحاصر شعوباً وأقاليم كثيرة، في ظل تصاعد منسوب العنف العسكري، والتسلح و«اختلال العالم» على حد تعبير أمين معلوف.. وشلل المؤسسات الدولية، وعجزها عن وقف انزلاق النزاعات قبل تحولها إلى حروب تلد حروباً.

حضرت من الذاكرة صورة شخصية تاريخية بريطانية من أصول ألمانية، من عائلة تميزت بالغموض والسرية، وعاشت في قلب الأحداث السياسية والمالية على مدار القرنين الماضيين، ورسمت روابطها مع كل من كان على قمة المجتمع الأوروبي، وأدارت مؤسساتها البنكية والاستثمارية منذ القرن الثامن عشر.

والتر روتشيلد المصرفي البريطاني والمولود في 1868، وكان والده أول شخص يهودي في تاريخ بريطانيا يحصل على لقب «لورد».

وقد التقى والتر روتشيلد مع زعيم الحركة الصهيوني العلماني وايزمان، وكان متحمساً لأهداف هذه الحركة السياسية، ما دفعه إلى التقدم بصياغة مسودة بيان يصدره آرثر جيمس بلفور، وزير الخارجية البريطاني، يعكس وجهة نظر الحركة الصهيونية حول فلسطين ووافقت عليه حكومة لويد جورج في أواخر أكتوبر 1917، وأرسله في رسالة إلى روتشيلد. وكانت بريطانيا وقتها تعتقد أن هذا الإعلان - الوعد سيساعد على حشد الرأي العام اليهودي، في أمريكا وروسيا، للإبقاء على هاتين الدولتين إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وكانت أيضاً السيطرة على فلسطين هي مصلحة استراتيجية لبريطانيا، ولإبقاء مصر وقناة السويس ضمن دائرة النفوذ البريطاني.

لكن الوثائق التاريخية المعنية بتلك المرحلة تشير إلى أن الحركة الصهيونية السياسية لم تكن في ذلك الوقت ذات أثر كبير على يهود روسيا أو أمريكا، وكانت «أطروحات شعب الله المختار وحقه في أرض الميعاد، وتحقيق النبوءة بتجميع اليهود في فلسطين، من أبرز معتقدات بلفور التوراتية التي ورثها في طفولته وتربى عليها في نشأته في إحدى الكنائس الإنجيلية الاسكتلندية»، وفقاً لما ذكرته ابنة أخته ومؤرخة حياته بلانش دوغاديل وأكده القس الأمريكي الشهير دونالد واجنر.

صورة والتر روتشيلد التي حضرت من الذاكرة، ترافقت مع صورة ترامب، وهو يتبنى «صفقة القرن» قبل سنوات، ويعترف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وبالجولان السورية المحتلة، جزءاً من إسرائيل.

كلاهما ازدرى حقائق التاريخ والجغرافيا، وأسهم في زراعة كوابيس وحروب وكراهية، ولم يأبه بقدسية العدالة والحياة.

والتر روتشيلد كان مولعاً بالحيوانات، وجمع عشرات الآلاف من الطيور والزواحف والفراشات والحيوانات النادرة، وباعها في ثلاثينات القرن الماضي لأحد المتاحف الأمريكية. وبلغ هوسه بالحيوانات لدرجة أنه كان يُشاهد في شوارع لندن وهو يركب عربة يجرها حمار وحشي، أو يمتطي سلحفاة عملاقة أمام منزله. أما ترامب المخادع، والوصي المطلق على سلطة الأسلحة النووية، فهو يركب رأسه لا يُثنيه شيء عما يريد أو يهوى.

......

في أزمنة الابتذال، تحضر الفوضى والتفاهة في الساحة العالمية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2nuudbwt

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"