الهدنة بين السلام والحرب

00:36 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

دخلت مفاوضات الهدنة وصفقة التبادل بغزة في سباق بين الحرب والسلام، بعد أن تحولت إلى ساحة للمناورة يقودها نتنياهو بمعزل عن رغبات جزء كبير من الإسرائيليين أنفسهم، والآمال التي تعقدها مختلف الجهات الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها الإدارة الأمريكية، لأسباب تتعلق بمصالحها الاستراتيجية في المنطقة.

تبدو المقاربة متباعدة بين تمسك نتنياهو بمواصلة الحرب وعدم الانسحاب من قطاع غزة، أو إعادة النازحين إلى ديارهم التي هجّروا منها في الشمال، وبين الفلسطينيين الذين يتطلعون إلى التخفيف من وطأة الحالة الإنسانية الكارثية والمجاعة التي يعيشها سكان القطاع. انتظر الجميع أن تتحقق الهدنة مع بداية شهر رمضان لكنها لم تتحقق، تماماً كما لم يتحقق وقف إطلاق النار الذي جاء في منتصف الشهر ذاته، بعد أن نجا قرار مجلس الأمن من الفيتو الأمريكي. والمفارقة أنه رغم مسارعة واشنطن إلى اعتباره قراراً غير ملزم، لم تكتفِ إسرائيل برفضه على الفور، بل ألغت زيارة وفدها إلى واشنطن للبحث في خطط اجتياح رفح، وصعّدت آلة القصف والتدمير واستباحة المستشفيات والتنكيل بالمرضى والأطقم الطبية والنازحين.

وفوق هذا وذاك لم تلتزم إسرائيل، التي ترى نفسها فوق القانون الدولي، بأوامر محكمة العدل الدولية بشأن عدم عرقلة دخول المساعدات واتخاذ الخطوات اللازمة، لمنع استفحال المجاعة في قطاع غزة التي قالت المحكمة الدولية إنها وقعت بالفعل.

إذا كان الجانب الفلسطيني لا يزال يتمسك بوقف الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي وإعادة النازحين إلى الشمال، فلماذا قرر نتنياهو العودة لمفاوضات الهدنة؟ وهل لذلك علاقة بما يقال عن صفقة أسلحة وذخائر ضخمة تقدر بمليارات الدولارات كما ذكرت وسائل الإعلام الأمريكية؟ أم أن لذلك علاقة بتسريبات عن مقترح أمريكي يحمل الكثير من وجهة النظر الإسرائيلية بشأن بقاء سيطرة القوات الإسرائيلية على المناطق الفاصلة بين شمال القطاع وجنوبه ويقترب أيضاً من وجهة نظرها بشأن اقتصار عودة النازحين إلى الشمال على عدد قليل من النساء والأطفال؟ أم أن الأمر كله بدأ يتحول إلى أزمة إسرائيلية داخلية؟ إذ لم تعد التظاهرات المطالبة بإبرام الصفقة تقتصر على عائلات الرهائن، بل تحولت إلى حراك سياسي وشعبي واسع يطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.

كما أن الأزمة انتقلت إلى داخل حزب الليكود، وبدأ الكثير من أعضاء الحزب يشككون في مصداقية نتنياهو حول إطلاق الرهائن، ويتحدثون علناً عن أنه سيعرقل أي صفقة، في نهاية المطاف، لحسابات سياسية وشخصية تطيل أمد بقائه في الحكم. وبالتالي فهو لن يتخلى عن قاعدته اليمينية أو حلفائه في اليمين المتطرف، مقابل الرهائن الذين يصّر على إطلاقهم بالقوة وعبر الحرب، وسيعمل على عرقلة الهدنة؛ لأنها ستعني فتح مسار مفاوضات آخر قد يمنح أفقاً جديداً للسلام بديلاً للحرب التي يتمسك بها إلى أطول فترة ممكنة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2bf9adk9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"