دبلوماسية المحن

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

قرأنا، وسنقرأ، كثيراً عن ارتدادات مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وحسين أمير عبداللهيان، وزير الخارجية، في حادث الطائرة، وهو تحوّل درامي في حياة رجلين منحها العمل بالسياسة، وفي دولة مثل إيران، صخباً واشتباكات مستمرة مع مؤسسات الداخل، والخارج، وانخراطاً في قضايا مترامية الحدود في المنطقة، وخارجها.

ورغم كل ذلك، مضى الرجلان، ومن معهما، إلى مصير كل حيّ، غير أن مسيرتهما في عالم السياسية ستُبقي سيرتهما طويلاً، ليس لما أشاعه رحيلهما بهذا الشكل من أسى، وتعاطف إنساني في كثير من البقاع، ولكن لأن مثل هذه الحوادث تغذي ملفات التاريخ بمزيد من الغموض الذي يضمن لأبطالها استمرارية طويلة. وهو تاريخ بدأ مع غياب ساسة في ظروف تبقى مجهولة لعقود، أو مقتلهم بطريقة تثير شهية محبي المؤامرات، أو المنشغلين بحبكها، رغم أنها قد تكون غائبة تماماً.

لسنا هنا في وارد تأييد وجود مؤامرة، أو تغييبها، فمقتل رئيسي ووزير خارجيته، يمكن أن يحتمل كل شيء، لكن حسم المسألة هو مهمة جهات مختصة في إيران، ومن تختاره للتعاون معها في تتبع ظروف الواقعة، وليس عمل المجتهدين على وسائل التواصل أو شاشات الفضائيات.

هؤلاء منقسمون، بطبيعة الأمور في كل أحوال المنطقة، حتى الرياضية منها، على قواعد مذهبية، ووطنية، وسياسية، وتحكمهم انحيازاتهم في ما نعيشه من قضايا، وبالتالي يغلب التطرف على ما يكتبون، وما يقولون.

المفارقة أن الحكومات والكيانات السياسية تكون أكثر تعقلاً وإنسانية من الأفراد في مثل هذه الظروف، فكلّها تقريباً تلجأ إلى ما يمكن تسميته بدبلوماسية المحن، أو الكوارث، بخاصة حين تكون على نحو مفجع ينبغي أن يفرض سطوته على الجميع، فيظهر التعالي على أيّ شكل للخلاف، أو حتى العداء السياسي.

والسوابق في هذا السياق كثيرة، ففيها تجسد ما نراه في حادث مقتل رئيسي وعبداللهيان، منذ الإعلان عن فقدان طائرتهما، من إعلان الدول تضامنها مع إيران، والاستعداد لتقديم كل عون ممكن.

وهذا التضامن، وهو فعل إنساني لا يرتبط دوماً بتصرفات معظم حكومات العالم، وساسته، رأيناه في كوارث طبيعية حلت بدول، وأقربها زلازل سوريا، وتركيا، وإيران، وغيرها، ومعها تمحى خلافات الدول وعداواتها، فتهرع إلى المعاونة في الإنقاذ، أو تدارك آثار الكارثة، أو على الأقل تلتزم صمتاً لا يراه بعض البشر فضيلة.

في المحن، تغيب النزاعات مؤقتاً، وتهدأ المناوشات السياسية، ويعرض الجميع المساعدة على المنكوب، بل إن التدخل يكون أسرع من استئذانه، أو انتظار طلبه النجدة، فالدول، مثل البشر، ليست بمنجاة من الابتلاءات الكبرى، وهي في أحد أوجهها مناسبات لأنسنة العمل السياسي، وقد يمثل ذلك مقدمة لانفراج في أمور محل خلاف، أو منع تصاعدها.

مرة أخرى، الدول في هذا الملف سابقة على تصرفات الأفراد، بخاصة الذين لا يستطيعون لجم معتقداتهم التي ينبغي أن يتوارى تطرفها في محن الآخرين، دولاً وأشخاصاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s8rrpeh

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"