الديون العامة وتأثيراتها

22:06 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة

مشكلة ارتفاع الديون العامة معقدة وعالمية. ما هي الحلول الممكنة وهل يمكن تسديد الديون عبر تخفيض قسري للإنفاق ورفع كبير للإيرادات؟ المهمة صعبة إذ من غير الصحي أن تحاول أي حكومة تخفيض عجزها المالي بسرعة وبخطوات كبيرة منعاً لانهيار الاقتصاد كما الأوضاع الاجتماعية. المطلوب هنا تعاون السياسات وخاصة المالية والنقدية لتنشيط الاقتصاد ورفع النمو وبالتالي تأجيل تسديد الديون الى فترات مستقبلية منظمة. من الأفضل الانتظار حتى تنخفض الفوائد وترتفع الاستثمارات وبالتالي النمو. هنالك أولويات أساسية يجب التنبه لها منعاً لانهيار الشبكات الاجتماعية السليمة والدقيقة.

لا يمكن للحكومات أن تقوم بإصلاحات كبرى من دون دعم الرأي العام. في فرنسا مثلاً، شهدنا صراعات حادة بين الحكومة والمواطنين حول نظام التقاعد ورفع سنه الى 64 علماً أن معظم دول العالم اعتمد ال 64 أو أعلى حماية للتوازن المالي في وقت يصل خلاله العمر المرتقب الى أعلى من 85 سنة. هنالك صراع قوي بين الحكومات الأوروبية والمزارعين بسبب وجود خلل معيشي يمكن أن يقضي على القطاع. في الولايات المتحدة، لا يريد الأمريكيون تخفيض الإنفاق بسرعة إذ إن المزيد من التضحيات مرفوض في وقت يرون خلاله تدخل حكومتهم في مشاريع وطموحات خارجية في أوكرانيا وإسرائيل وتايوان لا اهتمام كبيراً لهم بها. هذا هو حال معظم سكان العالم حيث أصبحت الحياة صعبة والضمانات أدنى وغير مؤكدة. بالرغم من أن المجتمع العالمي أصبح اليوم أغنى مما كان عليه، الا أن الحياة أصبحت أصعب للأكثرية الساحقة.

كيف يمكن تمويل الإنفاق وصولاً الى تخفيف العجز والديون؟ لا بد من النظر الى الضرائب وهي متنوعة وبالتالي اختيار المجموعة المناسبة بسبب تأثيرها الكبير في النشاط الاقتصادي العام وبالتالي في النمو. تمويل الإنفاق الاستهلاكي العام عبر الاقتراض سيئ لأنه يوسع فجوة الدخل داخل المجتمعات. عوض تطبيق نسب ضرائبية مرتفعة على الأغنياء والشركات الكبرى، تقترض الحكومة منهما وتدفع لهم الفوائد. هذا غير عادل ويسيء الى الفقراء. أما سقف الديون أي الحد الأقصى الذي يمكن أن يصل اليه مجموع الدين العام، فله فائدة واحدة وهو جعل المجالس النيابية والحكومات تراجع سياساتها المالية القائمة. الصراعات الأخيرة حول رفع سقف الدين العام الأمريكي هي نماذج للخلافات الطبيعية حول السياسات المالية.

هنالك وقائع تربط الاقتصاد بالسياسة. التصرف المالي من قبل الحكومات الغربية وغيرها يساهم عملياً في زيادة شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة، وهذا ما شهدناه في الولايات المتحدة والبرازيل وفرنسا وغيرها. ما يجري في فرنسا سيكون له نفس النتائج ستظهر مع الانتخابات الأوروبية القادمة في 9 حزيران/ يونيو. هنالك وقائع في معظم الدول تشير الى استفادة المدن أكثر من الريف من الإنفاق العام، وهذا يغضب الأرياف ويدفعها الى التطرف. من الخطأ دفع المناطق البعيدة اليه ولو عن غير قصد، لذا يجب على الحكومات التنبه الى توزيع إنفاقها والنتائج الاجتماعية المرتبطة به.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2ec4cf8c

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"