حضور التعليم وغياب التربية

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يعرف الناس بدقّة ما المقصود عند الحديث عن التربية والتعليم؟ ما الفرق بين الكلمتين؟

التسميات نسبيّة فضفاضة. حتى في الدول المتقدمة نرى الأسماء أرجوحية. في ألمانيا عندهم «وزارة التربية والبحث»، عين العقل، فالبحث العلمي رأس الهرم الذي يكلل مسيرة نموّ قاعدته الحضانة والابتدائية. تأسيس العقل الباحث المختبِر المحلل، يكون منذ نعومة الأظفار أو لا يكون. في فرنسا نجد «وزارة التربية الوطنية والشباب». اختلفت الصورة عمّا لدى الألمان. في بريطانيا لديهم «دائرة التربية». أمّا في الدانمارك فلهم وزارتان: واحدة «وزارة الأطفال والتعليم»، والأخرى:«وزارة التعليم العالي والعلوم». في زمن عميد الأدب العربي طه حسين، كانت المؤسسة في مصر تسمى: «وزارة المعارف». لعل خبراء التربية أدركوا أن الاسم أكبر وأوسع من مقاس التربية والتعليم.

نرجع إلى الثنائي: التربية والتعليم. هل كانا هدفين محددين منشودين مع سابق قصد وترصّد؟ أي أن المعنيّين بهذا الشأن عربيّاً، انتقوا التربية لأن جذرها الثلاثي ربا يربو،يعني زاد، في صورة نما ينمو، كما راقهم اشتقاق التعليم من ثلاثيّ فيه العلم والتعليم والإعلام، وجاده عصرنا بغيث المعلوماتية. من حقك أن ترى في العنوان نبرة أسىً، فالتعليم ظاهر في المناهج العربية بدليل مئات ألوف المدارس، لكن، هل لك من دلائل على وجود تربية تربو بها مدارك الطالب ومهاراته؟ السؤال: هذا التعليم، أين التربية؟

في المعاهد الموسيقية يتكامل التعليم والتربية، فالطالب يتعلم النظرية وقواعد العزف على الآلة، أمّا التربية فتتمثل في تنمية المهارات واكتساب التقنيات التي تساعده على الإبداع. على واضعي المناهج إعادة النظر في إعدادها انطلاقاً من هذا المشهد: يقضي طالب الموسيقى في تمارين العزف، طوال خمس سنوات، ما لا يقل عن خمسة آلاف ساعة، فهل يتدرب طالب اللغة العربية وآدابها، من الثانوية إلى نهاية الجامعة على الكتابة حتى ثلاثة آلاف ساعة طوال سبع سنوات؟ إذاً، لدينا تعليم ولكن من دون تربية تطبيقيّة.

ببساطة: يهضم التعليم حق التربية بكثافة القواعد المعقّدة، وحشو الأدمغة بأرشيفات تاريخ الأدب. لكن التربية هي الجسر إلى الإبداع. يعلّمون الطالب كيف يرفع الفاعل وينصب المفعول، ولا ينمّون فيه المهارات التي تشق له دروب الإبداع. حتى في سلامة اللغة لم يفلح كثيراً. قيل لموتزارت: «ماذا تفعل حين تؤلف الموسيقى»؟ قال: «لا شيء غير جعل النوتات المتحابّة متجاورة». نريد أدباء يجعلون الكلمات المتحابّة متجاورة.

لزوم ما يلزم: النتيجة الإيجازية: الإبداع الأسلوبي تصنعه المهارات التطبيقيّة، لا مراكمة القواعد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3h8mu28c

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"