عادي
«أنا هنا» يكسر الحواجز ويطلق الطاقات

الفن.. لوحات إرادة لذوي الإعاقة

23:23 مساء
قراءة 6 دقائق
1

تحقيق: مها عادل

نجح معرض «أنا هنا» الذي ينظمه مركز الفن للجميع– فلج، التابع لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، ويستمر حتى 10 يونيو/ حزيران الجاري، في إلقاء الضوء على مجموعة واعدة من المواهب الفنية، من خلال شعاره الذي يتبنى رسالة مجتمعية رائدة تقوم على إعادة تعريف الإعاقة في عالم الفن وبأدوات وأفكار إبداعية، والتجول بين أروقته بمتحف الشارقة للفنون، ويضم أكثر من 100 لوحة فنية بمنزلة رحلة ممتعة، حيث تحكي كل منها قصة فريدة من خلال منظور جديد، من وحي أفكار نقية وروح مسالمة للفنانين من ذوي الإعاقة الذين استطاعوا من خلال إبداعاتهم إطلاق صرختهم القوية «أنا هنا»، والتعبير عن شعورهم ورغبتهم بالتواصل مع المجتمع، وإثبات وجودهم وقدراتهم، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في المجالات الفنية والثقافية، وتغيير نظرة العالم للإعاقات.

قالت الفنانة فاطمة عبيد الجابري، 27 سنة، المشاركة في المعرض ل «الخليج»: «بدأت الرسم الاحترافي منذ 3 سنوات، بعد أن انضممت إلى مركز فلج، وكانت خطوة غيرت حياتي بشكل كبير، وتعلمت التعبير بالرسم عبر وسائط عدة، وأجدت الرسم بالرصاص والفحم والأكريليك والألوان الزيتية، وفي فترة وجيزة منحني المركز فرصة المشاركة في معارض محلية، الأمر الذي أكسبني ثقة بالنفس وحافزاً لتطوير قدراتي».

الصورة

وتضيف: «سعيدة للغاية بمشاركتي ضمن معرض «أنا هنا» بلوحة تجسد أفكاري وطموحاتي ومشاعري، وتحمل عنوان «رفقة»، وتروي عن امرأة تتمتع بالصبر والحلم، لكنها تتطلع إلى مزيد من الحرية والتحقق وتحقيق الإنجازات، واخترت أن يكون برفقتها طائر صغير ملون بين يديها ويرمز إلى الحرية والرغبة في التحرر من القيود، والرقة والجمال في نفس الوقت، وقد استغرق تنفيذ هذه اللوحة 4 أشهر متواصلة من العمل، خصوصاً أنها لوحتي الثانية فقط التي أستخدم فيها الألوان الزيتية».

وتابعت: «ما زلت أحرص على تطوير مهاراتي في الرسم بألوان الزيت، حيث كنت من قبل أستخدم أدوات أخرى في الرسم مثل الإكريليك، ولكن الزيت ساعدني على التعبير بالألوان أفضل، واستخدام الإضاءة داخل اللوحة أفضل وأكثر تعبيراً، وفي كل لوحة جديدة أنفذها، أخطو خطوة إضافية نحو الاحترافية والتمكن من أدواتي، وقد استفدت كثيراً من انضمامي للمركز، حيث تعلمت الكثير من المهارات، وهذا المعرض يمثل لي الكثير من الدعم، حيث وجدت الاهتمام من الزوار والتفاعل معهم فرصة تعريفهم على أسلوبي وقدراتي وأفكاري، وهذا مثّل تشجيعاً كبيراً وحافزاً لي على الاستمرار». وتجلس الفنانة سيدرا طحان، 24 عاماً، في أحد أركان المعرض، بتركيز لتنهي لوحتها الفنية التي تجسد شخصية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ورؤيته للمستقبل، وقالت ل «الخليج»: «أعتبر نفسي من أحدث المنتسبات للمركز، فهذا هو عامي الأول، وممتنة كثيراً لانضمامي له، ولحجم الدعم الذي نحظى به جميعاً، وأشارك اليوم في المعرض بست لوحات تحمل قصصاً وأفكاراً متنوعة».

وتابعت: «حالياً أرسم لوحة بالذكاء الاصطناعي، تجسد الشيخ زايد، وهو في الماضي، وينظر إلى المستقبل لتعبر عن كيف صنعت نظرته الثاقبة حاضرنا ومستقبلنا، وتتضمن اللوحة الصحراء والجمال إلى جانب برج خليفة وبرج العرب ومتحف المستقبل، وكأنه، رحمه الله، كان يرى كل هذا التقدم منذ البداية». وتضيف: «أحب التنوع بين الثقافات وأجمع بينها، ومن بين لوحاتي المشاركة بالمعرض توجد هذه الرسمة التي تمثل الخيل بطريقة أسطورية ومزركشة، وليست بصورة واقعية ولوحة الفازة التي تتميز بزخارف مستوحاة من الفن الروسي باللونين الأبيض والأزرق، واللوحة التي تحمل اسم الملكة، وتمثل اثنتين من المصريات القدماء، وهي مستوحاة من الرسومات المصرية القديمة، وأشارك أيضاً بثلاث لوحات بها قرود تحمل لمحة من الطرافة». وأشارت إلى أنها تحب فن الماكياج السينمائي الذي يتضمن صناعة الجروح الزائفة أو الزومبي، وغير ذلك من الخدع السينمائية.

ومن الفنانين المميزين المشاركين بالمعرض المهندس عمار دهب حسن الذي نجح أن يكون أول مهندس معماري أصم تخرج في جامعة الشارقة، وحالياً يثبت جدارته في تطوير موهبته الفنية في مجال الرسم، ويشارك بلوحة معبرة عن الطفولة بأسلوب إبداعي تحمل عنوان «براءة الطفولة»، والتي برع في تجسيدها مستخدماً ألوان الأكريليك، وتوضح طفلاً يتطلع للغد ويبتهل إلى الله بروح صافية.

وأكد المهندس عمار أنه سعيد بالمشاركة التي عززت ثقته الفنية بنفسه، وبإبداعه، إذ كان طالباً في روضة ومدرسة الأمل للصم التابعة للمدينة وحاصل على العديد من جوائز التفوق حتى تخرجه ونيله الشهادة الثانوية ضمن الفرع العلمي بدرجات عالية إلى جانب تميزه الملحوظ منذ انضمامه لمركز الفن للجميع الذي طور موهبته واحتضنها.

كما حظت أعمال الفنانة الإماراتية موزة عبد الله بن ذيبان بإعجاب زوار المعرض من مختلف الأعمار والجنسيات وتقديرهم الشديد لموهبتها وإرادتها الحديدية الفريدة، حيث يشهد الركن الخاص بها إقبالاً متزايداً لمشاهدتها وهي ترسم أمامهم، حيث طوعت قدميها للإمساك بفرشاة الرسم وتوجيهها، واجتذبت موهبتها عيون الزوار الذين حرصوا لالتقاط صور تذكارية معها أثناء الرسم، ما زاد من انبهارهم بموهبتها وتمكنها، إذ لم تثنها الإعاقة عن العطاء والإبحار في عالم الرسم والإبداع وهي بموهبتها الفذة ترسل رسالة قوية لكل فئات المجتمع مفادها «أنا هنا ونعم نستطيع»، ومنذ التحاقها بمركز الفن للجميع فلج، عام 2017 تمكنت من تقديم عشرات اللوحات والأعمال الفنية المتنوعة، وتؤكد موزة دائماً استفادتها من انضمامها للمركز، حيث منحها ثقة بالنفس ودعم موهبتها وقدّمها للمجتمع بشكل مثالي وزاد من إدراكها أهمية قدراتها، وأنها شخص فاعل في المجتمع.

عائشة ديماس: المبادرة تبرز تأثير الفن الإيجابي

أكّدت عائشة راشد ديماس، مدير عام هيئة الشارقة للمتاحف، أهمية المعرض، منوهةً بأنّه يُعبر عن التزام الهيئة الراسخ بدورها المجتمعي ورسالتها الثقافية والإنسانية وبمبادئ الشمولية والمشاركة المجتمعية والتعاون المؤسسي.

وقالت: «هذه المبادرة لا تثري المشهد الثقافي المتنوع بالإمارة فحسب، بل وتُبرز تأثير الفن الإيجابي، وتُعزز فكرة أنّ الفن لغة عالمية تتيح للجميع المشاركة بإنتاج الفن وتقديره».

وأضافت: «احتضان هذا التنوع الواسع من المبدعين، يعكس حرص هيئة الشارقة للمتاحف على إبقاء المتاحف مساحات متاحة لجميع الأفراد بمن فيهم ذوو الإعاقات المختلفة، وبتيسير الوصول لمتاحفها التي تلامس احتياجات مجتمعها بأطيافه، وأكّدت أنّ دور المتاحف يتمثل أيضاً في توفير فضاء رحب للتعبير والتأمل، ما ينعكس بشكل إيجابي على الصحة النفسية والجسدية».

محمد بكر: التعاون خطوة مهمة

محمد بكر

يُطلعنا محمد بكر، المدير المسؤول عن المركز على أهمية المعرض، ويقول: «يمثل رافداً فنياً وثقافياً يحقق رؤية المركز ورسالته المستدامة لبناء جسور التواصل بين الفنانين من ذوي الإعاقة وأقرانهم من غير المعاقين، حيث يجمع 34 فناناً وفنانة من المنتسبين للمركز يقدمون أكثر من 84 لوحة فنية وعملاً تكوينياً، ويحمل المعرض رسالة مهمة تدعو لتحقيق رؤية مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في سعيها المستمر نحو تحقيق فرص التمكين والدمج وتحقيق تكافؤ الفرص لجميع الأشخاص من ذوي الإعاقة في كافه المجالات».

ويضيف: «الفن إحدى الأدوات الفاعلة في دمج وتمكين الأشخاص من ذوي الإعاقة وتوفير مساحات إبداعية مستدامة تسهم في تحقيق التواصل المجتمعي الفعال والتأثير الفني والثقافي. ويُعد التعاون مع متحف الشارقة للفنون خطوة مهمة في تطوير الخبرات التنظيمية والارتقاء بمعايير إقامة المعارض الفنية للمركز والفنانين المنتسبين له، وحققت رسالة المعرض الهادفة إلى دعم وتمكين الفنانين من ذوي الإعاقة من خلال وجودهم بالمؤسسات والهيئات الثقافية الكبرى بصورة فاعلة ومؤثرة، تمثل فرصة مهمة لرؤية رواد تلك الهيئات والمؤسسات من مختلف شرائح وفئات المجتمع لفناني المركز وتحقيق فكرة الدمج العكسي من خلال وجود الفنانين من ذوي الإعاقة جنباً إلى جنب مع أقرانهم من غير المعاقين».

وتابع: «من خلال المشاريع الفنية المستدامة التي ينظمها المركز والمتمثلة في مرسم فلج التدريبي للأشخاص من ذوي الإعاقة والذي يقدم خدماته على مدار العام لأكثر من 28 فناناً وفنانة من مختلف الأعمار وفئات الإعاقة، يسهم في توسيع مداركهم الفنية وتدريبهم على استخدام المواد والخامات الفنية، بالإضافة إلى عرض نتاجات التدريب في العديد من المعارض الفنية التي ينظمها المركز على مدار العام وأيضاً المرسم الحر الذي يقدم خدماته لأكثر من 20 فناناً وفنانة من الموهوبين من غير المعاقين على مدار العام».

وأشار إلى أنّ أثر المشاركات الفنية والمعارض التي يشارك بها منتسبو المركز ينعكس بالتطور الملحوظ على جودة الأعمال الفنية التي يقدمونها على مدار العام وأيضاً الأثر النفسي الكبير العائد من تلك المشاركات.

الصورة
1
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3p2srdta

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"