نحو مناهج للأدب الساخر

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

هل تظن أن هبوط مستوى الفنون الكوميدية في العالم العربي أمر عاديّ، كسقوط ورقة من شجرة؟

غياب الصحافة الساخرة، وفوقها بدرجاتٍ الأدبُ الساخر، يجب أن يستفز المفكرين والمثقفين الباحثين، ويستنهضهم، على طريقة سقوط ورقة الشجرة في خيال الاقتصاديين. هؤلاء يشبّهون الاستثمار بالغزال، الذي يكون هادئاً هانئاً يرعى الأعشاب، لكنه، بمجرّد وقوع ورقة من شجرة، يقفز هارباً. نحن نريد أن يطير وهو يهبّ لتدارك العلل. قمّة الإعلام العربي الأخيرة في دبي، فتحت للإعلاميين والمثقفين العرب، أفقاً من الضروري أن يكون أهل الفكر في صدارة الباحثين والمحللين فيه. هذه قضية لا تنامنّ عنها أوساط الثقافة والإعلام العربية، فنحن أمام قضيّة عنقوديّة: تربويّة، أدبيّة، إعلاميّة، سياسيّة. قضية بهذا الوزن، لا تحظى بمن يقف عليها «وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمُهْ».

لا يؤخذ الأدب الساخر، في المناهج العربيّة، على أنه إبداع مستقل. هذا يكشف ضحالة النظرة قديماً وحديثاً إلى الأدب الساخر. ما الغاية من تلقين الطلاب أن المعري متّهم بالزندقة، بينما المكتبة العربية متخمة بالنوادر والمُلح والطرائف، التي للكثير منها مضارّ السكاكر الرخيصة المخضّبة بالملوّنات؟ إذا فتح الله على المناهج العربية بإعداد مقرّر لتدريس الأدب الساخر، فيجب أن ندرك أن روائع الأدب العالمي الساخر بساتين حافلة ببدائع الإشعاع الفكري والروحي، وسحر الجماليات الأسلوبية، التي تشحذ الذكاء وترهف الذوق، فتتناغم الحواس، و«العطور والألوان والأصوات تتجاوب»، كما يقول شارل بودلير. من المسرح الساخر لدى «أرطفانس» اليوناني إلى موليير، غوغول، برنارد شو، مارك توين، عزيز نسين...

لا توجد في العالم كله نظريات نقدية ولا حتى تحليلية منهجية للأدب الساخر، وبالرغم من أنه أصعب أنواع الإبداع الأدبي، فإننا لا نعرف لغة أو ثقافة رفعت له قواعد، أو وضعت له أسساً يقوم عليها بنيانه. إذا كانت الموسيقى الجادّة تتطور بفضل الدراسة الأكاديمية والتحقيقات الموسيقولوجية، فلم لا يستطيع الأدباء الساخرون وأصحاب النقد التنظيري، وضع منهاج خاص يدرّس في الأدب الساخر؟ مثلاً: في الصحافة الساخرة، ما كل إعلاميّ أو دارس صحافة في فرنسا يستطيع العمل في «البطة المغلولة»، «لوكانار آنشينيه»، فأين دروب التخصص؟ على مدارس الصحافة والإعلام أن تضيف أساليب رعاية خاصة تمهّد للإبداع الساخر بشتى مجالاته. الحلّ الآخر هو فتح تخصص خاص في كليّات الآداب. ادرسوا الحلول.

لزوم ما يلزم: النتيجة الختاميّة: نخشى أن يؤدي عدم ظهور الفنون الساخرة الرفيعة، إلى إثارة سوء ظن الماكرين، سياسيّاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/244ej55p

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"