إجازة للتعاسة

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

ليست هذه دعوة إلى أن نمنح التعاسة إجازة، يُفضلّ أن تكون طويلة جداً، وأن نعيش سعداء، وهو أمر يتمناه الجميع، أو على الأقل كل من تنتابه مشاعر تندرج في هذه الخانة المنبوذة، خانة التعاسة، وقد نغالي ونقول: لماذا الإجازة فقط، لماذا لا نُجْهِز على هذه التعاسة ونُقْبِرُها، ونجعل «الدنيا زهور على طول وشموع على طول»، كما تقول أم كلثوم في (سيرة الحب) ؟. لكن هيهات، فما من حياة لا تتخللها لحظات تعاسة، تقصر أو تطول، خاصة حين تكون ظروف معيش الناس صعبة وقاسية.

ليس بأيدينا أن نمنح التعاسة إجازة، فنصدر لها أمراً بأن تغيب عنّا، ولو لفترة، كي نرتاح من تبعاتها، فالتعاسة، ككل الأمور السيئة في الحياة، «سادية» الطباع، تجد متعتها في إيذاء من تنال منهم، ولا يروق لها أن تدعهم وشأنهم، يتدبرون أمورهم، ويسعون إلى نيل غريمتها: السعادة، مع أن علماء النفس يتحدثون أيضاً عن أفراد هم بطبعهم «مازوخيين»، أي يتلذذون بإيذاء أنفسهم، فلا يجدون بأساً من أن تبقى التعاسة ملازمة لهم.

لا علاقة لهذا المدخل بما سنعرضه الآن، وهو خبر يفيد بأن شركة صينية تمتلك سلسلة من متاجر بيع الطعام بالبلاد، أتاحت للعاملين بها خيار أخذ «إجازة تعاسة» في حال شعورهم بأنهم ليسوا سعداء، ولا يرغبون في الذهاب إلى عملهم، في محاولة منها لدعم الصحة العقلية والنفسية للموظفين، وتعزيز التوازن الصحي بين العمل والحياة، ولأنه ما من إجازة غير محددة المدة، فإن الشركة منحت من يحتاجون إلى مثل هذه الإجازة عشرة أيام سنويّاً، ليست متواصلة بالضرورة، بل على الأرجح أنها موزعة على السنة.

مؤسس ورئيس مجلس إدارة الشركة قال: «كل شخص لديه أوقات لا يكون فيها سعيداً، لذا إذا شعرت بالتعاسة فلا تأتِ إلى العمل». وأضاف قائلاً: «لا يمكن للإدارة رفض هذه الإجازة. فالرفض يعد انتهاكاً». ورغم أن الخبر حول تلك الإجازة لم يحدد شروط وضوابط ذلك، ولكن المؤكد أنها قائمة، فليس منطقيّاً أن يصحو موظف ما ذات صباح، ويقول لنفسه: لن أذهب إلى العمل اليوم، لأني أشعر بالتعاسة، وانتهى الأمر.

على خلاف شركات أخرى كثيرة في الصين التي تحمل موظفيها على العمل لساعات طويلة، فإن هذه الشركة حددت سبع ساعات عمل فقط في اليوم، والحصول على عطلات نهاية الأسبوع، ويحقّ لموظفيها الحصول على إجازة سنوية تتراوح بين 30 إلى 40 يوماً.

سرعان ما تحوّل خبر «إجازة التعاسة» إلى «ترند» على وسائل التواصل، فكتب أحدهم: «يجب الترويج لمثل هذا المدير الجيد، ولثقافة الشركة هذه في جميع أنحاء البلاد»، فيما أعرب آخرون عن رغبتهم في العمل بتلك الشركة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/nwjh4xcu

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"