عادي
رؤية مشوشة حول الذكاء الاصطناعي

«أطلس».. حرب الآلة والإنسان

00:06 صباحا
قراءة 5 دقائق
بوستر يعبر عن أحداث الفيلم وتراتبية شخصياته

مارلين سلوم

يمنحك بعض الأفلام إحساساً بأنك جزء من العمل، تقف على أرض تشارك فيها الأبطال حكايتهم، يقتربون بأدائهم السلس من حدود التطابق مع الواقعية، خصوصاً أولئك الذين يمتلكون مهارة التمثيل بتقنية السهل الممتنع، يؤدون وكأنهم لا يبذلون أي مجهود، تلقائيون في كل انفعالاتهم وتصرفاتهم مهما كان حجم الدور وصعوبته.. هذه المميزات تفتقدها وأنت تشاهد فيلم «أطلس»، فعلى العكس تماماً تشعر طوال الوقت بأن بطلته جينيفر لوبيز تبذل مجهوداً كبيراً وكأنها تريد إثبات شيء ما، فيلم يمكن مشاهدته؛ بل قد يحبه هواة أفلام الخيال العلمي، لكنه يبقى متوسط المستوى وأضعف من منافسة أي من الأفلام الناجحة التي سبق أن تناولت الذكاء الاصطناعي والروبوت وعلاقة الإنسان بها.

لو كان فيلم «أطلس» صناعة عربية، لخرج النقاد ومعهم الجمهور ينتقدون بطلته مهما كانت محبوبة ومتعددة المواهب مثل جينيفر لوبيز، متهمين صنّاعه بتقديم فيلم مفصّل على مقاس البطلة، يجعل منها امرأة حديدية وخارقة، والمنقذة الوحيدة للبشرية على هذا الكوكب، لا يمكنك مشاهدة «أطلس» دون أن تستغرب كيف ولماذا تسعى لوبيز إلى تقديم فيلم تبدو فيه بطلة أولى ووحيدة، وكل الشخصيات الباقية تأتي بعدها بأشواط من حيث حجم الدور وأهميته وتأثيره في العمل؟ صحيح أن الند لها في القصة هو الدور الذي يؤديه الممثل سيمو ليو، لكن ظهوره على الشاشة ليس دائماً ومستمراً منذ اللقطة الأولى وحتى النهاية كما هي حال لوبيز.

هي فنانة متعددة المواهب، استطاعت كسب ود جمهور السينما العالمية في غالبية أفلامها التي قدمتها حتى الآن، معظم اختياراتها كانت تتجه نحو الرومانسية والقصص الاجتماعية، لكن يبدو أنها قررت أن تكون أكثر شمولية بتقديم فيلم خيال علمي؛ لا بأس، فليس صعباً عليها أداء هذا اللون لو أن القصة التي كتبها ليو سارداريان وآرون إيلي كوليت كانت أكثر جدية ومنطقية في أحداثها، ولو أنهما جعلا من القضية التي يعالجانها بطلاً أول دون التركيز أكثر من اللازم على شخصية أطلس التي تؤديها لوبيز طوال الوقت وبشكل يضعف العمل ويفقده أي مصداقية أو رسالة، علماً أن الفكرة الأساسية مهمة وإن لم تكن جديدة، وهي قضية مدى إمكانية تفوّق الذكاء الاصطناعي على مبتكره الإنسان وماذا لو استطاع التحكّم بكل شيء؟
عالم المستقبل

جينيفر لوبيز داخل الرجل الآلي

يأخذنا الفيلم من إخراج براد بيتون إلى عالم المستقبل، لا يبتعد كثيراً عن زمننا هذا، فنرى الحياة أصبحت أكثر اعتماداً على التكنولوجيا، السيارات تطير، المنازل ذكية؛ بل كل ما فيها يعتمد على التقنيات والعالم الافتراضي، نشرات الأخبار تتحدث عن أن الذكاء الاصطناعي خرج عن طبيعته، أي أنه تجاوز الحدود والمهمات التي رسمها له الإنسان، وذلك بسبب هارلان (سيمو ليو) الرجل الروبوت الذي صنعته والدة أطلس شيبرد (جينيفر لوبيز) العبقرية فال شيبرد (لانا باريلا) وتسبب في كارثة كبرى قبل 28 عاماً حين شن حرباً على البشر قُتل فيها ثلاثة ملايين شخص وهرب خارج كوكبنا ولا أحد يعلم مكان وجوده؛ يلقبونه بإرهابي الذكاء الاصطناعي. هارلان إنسان في الشكل وآلة ذكية في المضمون، كل المعلومات المتوفرة هي رسالة مسجلة تركها للبشر ويقول فيها: «أعرف أنكم تبحثون عني، سأعود لأنهي ما بدأته».

وتهب العميلة أطلس مسرعة للالتحاق بمركز عملها في التحالف الدولي، مطلوب منها إعادة ترميم الرجل الآلي كاسكا (أبراهام بوبولا) للتمكن من الوصول إلى هارلان الذي غادر كوكب الأرض ولا يعرفون مكانه؛ تتمكن أطلس بذكائها الشديد من اختراق ذاكرة كاسكا واكتشاف مكان هارلان باعتباره صانع كاسكا؛ رجل آلي يُصنّع روبوتات بأشكال بشرية وأخرى بأحجام ضخمة وبأشكال مختلفة وغريبة.. رجل الذكاء الاصطناعي صنع لنفسه جيشاً من المقاتلين الآليين وأعدّهم من أجل الهجوم على كوكب الأرض والقضاء على البشر، تتمكن أطلس من معرفة مكان هارلان على مجرة تدعى «المرأة المسلسلة»، يقرر التحالف الدولي إرسال قوة للقبض على هارلان بقيادة الكولونيل هانكس (ستيرلينج كاي براون) وتصر أطلس على مرافقته، لأنها أكثر من يعرف هارلان وكيف يمكن أن يتصرف، «لقد كنت في ذهنه» كما تقول.. ينطلق الفريق ويعبرون حدوداً افتراضية في الفضاء تسمح لهم الانطلاق نحو الفضاء الخارجي، يكتمل اندماج الإنسان بالآلة بفضل آلة صغيرة ابتكرتها والدة أطلس تتيح للآلة الدخول إلى عقل الإنسان وقراءة كل أفكاره والاطلاع على كل شيء حتى ماضيه وذكرياته فتتضاعف قوتهما معاً، هذا ما تفعله الفرقة المهاجمة بينما ترفض أطلس هذا الاندماج إلى أن يفاجئهم هارلان بهجوم مباغت يقضي فيه على كل الفرقة ويأسر قائدها بانكس، لتجد نفسها أطلس وحيدة في مواجهة هذا الإرهابي وجيشه الآلي على مجرة غريبة.

الآلات الذكية

لكم أن تتخيلوا كم المجهود الواضح الذي تبذله جينيفر لوبيز لإقناعنا بمعاناتها وبقدرتها على مواجهة جيش كامل من الآلات الذكية والمجهزة بآلات قتال وأسلحة متطورة، امرأة وحيدة برفقة الرجل الآلي الوحيد المتبقي «سميث» والذي تتحرك بداخله! حضورها الطاغي يمنعك من تقييم أداء من يشاركونها الفيلم، حتى سيمو لو يجسد دور رجل آلي بعدسات لاصقة زرقاء لتبدو اصطناعية، لا يخرج عن إطار التحرك البسيط والانفعالات الجامدة كونه آلة.. المخرج براد بيتون نجح في تقديم عالم افتراضي ورؤية لشكل الحياة على الأرض في المستقبل، دون إبهار كبير.

فكرة الإنسان والروبوت ليست جديدة، وكلنا نذكر فيلم ويل سميث «أنا روبوت» عام 2004، وقتها لم يكن للذكاء الاصطناعي حضوره القوي والمنتشر في مختلف المجالات كما هو اليوم، لذلك نستغرب أن يتم إنتاج عمل عن الذكاء الاصطناعي والمستقبل دون التفوق على ما شاهدناه من أعمال قبل عشرين عاماً؛ بل إذا عدنا بالذاكرة أكثر إلى الوراء نجد أن قصة الإنسان والآلة وجدت على الشاشة بأعمال متنوعة منها مثلاً «ذا سيكس ميليون دولار مان» المسلسل الأمريكي الشهير الذي لاقى نجاحاً كبيراً وبدأ عرضه عام 1973!

في «أطلس» فكرة نتداولها ونطرحها باستمرار عن خوفنا من أن يحل الروبوت مكان الإنسان وإلى أي مدى يشكل الذكاء الاصطناعي خطراً على حياتنا والمستقبل؛ لكن المعالجة جاءت أقرب إلى الفانتازيا والمعارك القتالية والأكشن من الفكر العلمي وعلاقته الفعلية بالابتكار والحلول، ويمنحك في بداية الفيلم إحساساً بأن بطلته والتي تعمل في تطوير الذكاء الاصطناعي والتعامل مع الروبوتات، لا تثق بأحد وترفض الاستسلام لكل ما يطلبه منها الذكاء الاصطناعي، تحسبها تتمرد عليه وتخشى مخاطره وتحذر منه، لكنك تكتشف في النصف الثاني من الفيلم أن رفضها هذا نتيجة خروج هارلان الذي ابتكرته والدتها وكان صديق طفولتها عن الحدود المرسومة له فاستغل الطفلة وأمها ليطور من نفسه وينشئ جيشاً من الروبوتات وينتقم من الإنسان.. ثم تنتهي البطلة أطلس بالتصالح مع ذاتها ومع الذكاء الاصطناعي الذي كرست له حياتها، والأغرب أن تجد بينها وبين الرجل الآلي سميث الذي شاركها في معركتها تعاطفاً وارتباطاً يجعلها تحزن على فقدانه كحزنها على فقدان المقاتلين الذين شاركوا في الحرب على هارلان، والأغرب أن تقول للآلة سميث «لا أحب أحداً، الناس يخيبون الآمال، لكنني أحبك أنت»!.

ماذا يريد الفيلم؟ هل يقنعنا بأن الذكاء الاصطناعي سيدمر البشرية؟ أم أنه صديق يمكنه أن يتواءم مع الإنسان فيصبح نسخة مفيدة وإيجابية في خدمة البشر؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdsk6bfa

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"