تحديات الشرعية الدولية

00:45 صباحا
قراءة 4 دقائق

عبدالله السويجي

يتردّد مصطلح الشرعية الدولية كثيراً على ألسنة السياسيين ورجال القانون الدولي، بل وحتى العامة، ويستنجدون به كأنه المخلّص من الأزمات، والمساند لحقوق الشعوب، وناصر المظلومين. ومن المؤكد أن السياسيين والدبلوماسيين، ورجال القانون بالطبع، يعلمون تمام العلم ما يعنيه المصطلح، ويعلمون أكثر الإشكاليات التي تحيط به، إن كانت سياسية أو قانونية أو سيادية، بل ويعلمون أكثر صعوبة تطبيقه، بسبب ارتباطه بسيطرة الدول الكبرى ذات المصالح العالمية، ولا سيّما الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وهما القطبان المتناحران على الساحة الدولية، وسبب هذا الارتباط هو استخدام حق النقض (الفيتو).

وقبل أن نمضي قدماً في تحليل إشكالية التطبيق والتنفيذ، لا بد أن نعرف ماذا يعني مصطلح (الشرعية الدولية). فهو يعني الالتزام بمجموعة المبادئ والقوانين التي تحكم وتوجّه العلاقات الدولية، من خلال هيئة الأمم المتحدة، وبما تصدره هيئاتها المكلفة بحفظ السلم والأمن العالميين، وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي.

ومن الضروري معرفة أن أغلبية المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، هي جزء من الشرعية الدولية، مثل محكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية، وأهمية الأولى تنبثق من كونها يتم اللجوء إليها للاحتكام، أو للاستشارة، ومشكلة محكمة العدل الدولية تنبع من ضرورة موافقة طرفي النزاع بتحكيم المحكمة، وإذا رفض أي طرف، فإن المحكمة لن تقبل الدعوى، ويمكن ضرب مثال على ذلك، بالدعوى التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا ضد إسرائيل واتهمتها بالإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة، وقد انعقدت المحكمة لأن إسرائيل أبدت موافقتها على الحضور، ثم رفضت حكم المحكمة، رغم أن المادة 94 تنص على وجوب امتثال جميع أعضاء الأمم المتحدة لقرارات المحكمة، وتقول إنه إذا لم تمتثل الأطراف، يمكن عرض القضية على مجلس الأمن لاتخاذ إجراءات الإنفاذ، وهنا تبدأ المشكلة الحقيقية، خاصة إذا كان الحكم ضد أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن أو حلفائه، إذ من حق العضو الدائم استخدام حق النقض، فقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض، ووقفت إلى جانب حليفتها، وغالباً ما استخدمت حق النقض ضد مشاريع أقل من تهم الإبادة الجماعية، مثل الإدانة. وهنا تضع الشرعية الدولية نفسها في مأزق، أو ينظر إليها المشرّعون على أنها كذلك، إذ يصطدم القانون بالقوة، بل يصطدم القانون بالقانون، قانون المحكمة الدولية يصطدم بقانون مجلس الأمن، الأمر الذي جعل بعض المشرعين يطالبون بتعديل بعض بنود مجلس الأمن أو قوانين الأمم المتحدة، بحيث يسهل تنفيذ أحكام وقرارات المنظمات القضائية التابعة لها. ويقول بعضهم إن العالم لا يزال يعيش تحت وطأة نتائج الحرب العالمية الثانية، التي أدت إلى إنشاء مجلس الأمن الدولي في عام 1945، وشروط تنفيذ قرارات المحاكم العالمية، التي يجب أن تحظى بدعم أعضاء مجلس الأمن كافة، وبما أن المصالح لا تزال متضاربة، والأقطاب في صراع مستمر، فإن أعضاء مجلس الأمن لن يتفقوا على تنفيذ قرار واحد لسبب بسيط أيضاً، وهو أن الشرعية الدولية لا تزال تخدم الأجندات السياسية للقوى الكبرى المهيمنة.

وبالعودة إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فقد أصدرت الأمم المتحدة نحو 71 قانوناً أو توصية أو مناشدة أو قراراً، تتعلق بقضايا اللاجئين الفلسطينيين والاستيطان والعنف والقدس والأماكن المقدسة، وأهمها قرار 194 الصادر بتاريخ 1948/12/11 وينص على إنشاء لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة، وتقرير وضع القدس في نظام دولي دائم وتقرير حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم في سبيل تعديل الأوضاع، بحيث تؤدي إلى تحقيق السلام في فلسطين في المستقبل. وهناك قانون رقم 478، الصادر بتاريخ 1980/8/20، ودان القانون الأساسي لعام 1980 الذي أعلن أن القدس هي عاصمة إسرائيل «الكاملة والموحدة»، باعتباره انتهاكاً للقانون الدولي، ويقرر عدم الاعتراف بهذا القانون، ويدعو الدول الأعضاء إلى قبول قرار مجلس الأمن، وإلى سحب بعثاتها الدبلوماسية من المدينة المقدّسة. وهناك قرار مهم صادر عن مجلس الأمن ويحمل رقم 242، بتاريخ 1967/11/22، ويدعو إلى سحب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في الحرب التي نشبت في عام 1967، والتأكيد على ضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية في المنطقة. وتحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

كل هذه القرارات بقيت حبراً على ورق، رغم صدورها عن الشرعية الدولية، والسبب عدم دعم الولايات المتحدة الأمريكية للقرارات، ووقوفها إلى جانب إسرائيل، بحجة المحافظة على أمنها، وما يزيد الموقف تعقيداً ووضوحاً، تصويت البرلمان الأمريكي الثلاثاء الماضي على قانون يسمح بفرض عقوبات على محكمة العدل الدولية! وهو أمر مثير للغرابة والسخرية، ويزيد من تعنّت إسرائيل.

ولو تابعنا الاتفاقيات التي وُقّعت بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأهمها اتفاقية أوسلو، سنجد أن إسرائيل لم تنفّذ بنودها الرئيسية، بل ضربت بعرض الحائط الاتفاقيات التي تم توقيعها مع كل من مصر والأردن، إذ قامت باحتلال محور فيلادلفيا على حدود رفح، في الحرب القائمة الآن بين غزة وإسرائيل، رغم أن الشرعية الدولية وقعت على الاتفاق. وهذا السلوك مقلق للغاية، ويقلّل من احترام الدول للشرعية الدولية، ويمهّد لعودة قانون الغاب، حيث القوي يأكل الضعيف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc4duape

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"