الحج السياسي

00:34 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

خدمة ضيوف الرحمن من المعتمرين والحجاج شرف تتسابق إليه كل مؤسسات المملكة العربية السعودية، ويتوارثه أهلها بإصرار على بذل كل ما يمكن لتيسير أداء الشعائر الدينية التي قد لا تتاح لبعض المسلمين إلا مرة واحدة في العمر.

المهمة تكون أعظم في الحج، عطفاً على كونه فريضة للمستطيع، واجتماعاً سنوياً لملايين المسلمين الآتين من كل فجاج الأرض، يلتمسون تطهّراً، وميلاداً جديداً، ويستشعرون قيمة وحدة كلمة الأمّة، وصفّها.

ورغم بداهة هذه المعطيات، فإن رغبة الإصرار على تحويل الفريضة الموحِدة إلى فعل سياسي يأخذها من القداسة والروحانية إلى التنازع والتظاهر تحت لافتات التفرقة، تتجدد كل عام لدى فريق من المسلمين.

هذا الفريق، على اختلاف مكوناته، يتخفى كل مرة في قضية، أو أزمة سياسية، ليدفع إلى قتال محرّم، ولو بالكلمة، في أيام عظّمها الله، ومكان اصطفاه، كأنه يعزّ عليه أن يتوقف عن التلاعب بمصائر الأمة إلى حد استباحة الدماء.

تحت ستار تدويل الحج تارة، وتسييسه تارة أخرى، يصرّ هذا الفريق دوماً على أن يحيط قوافل الحجيج بالقلق، وأن يجرّد مشهداً إيمانياً مما فيه من بياض الأثواب والقلوب خدمة لأهداف سوداء.

إن تدويل الحج مطلب قديم يدّعي أصحابه أن غايته تيسير أداء الفريضة، والمقصود بالطبع تسهيل دخول من يريدون إشاعة الفوضى في أماكن أداء الفريضة، وتحويل زوار بيت الله إلى فرق وجماعات تتناحر تحت رايات سياسية، ومذهبية. وتصدّي السعودية لذلك يحوّله هؤلاء إلى مزاعم بالتضييق على حجاج هذه الدولة، أو تلك، أو إلى تحريض على افتعال حوادث بعينها في المشاعر المقدسة، فيروّج الأمر على أنه عجز سعودي عن إدارة ملف هذه الفريضة، ما يبيح اشتراك دول أخرى معها.

كل هذه المزاعم لا حاجة إلى جهد لهزيمتها، ليس لأنها تتعدى على سيادة دولة على أراضيها فقط، وإنما أيضاً لأن النجاح السعودي في التعامل مع ملايين الحجاج كل عام باحترافية محل اعتراف من العالم.

هذه الاحترافية تتزايد سنوياً بالاعتماد على رفع كفاءة العناصر البشرية، وأحدث التقنيات، لينعم الحجاج بكل ما يسهل أداء الفريضة، وينقطع الطريق على كل مهدد لراحتهم، أو أمنهم، أو سلامتهم.

الوعي بالمخاطر المحيطة باجتماع ملايين المسلمين في الحج لا يغيب، وإدراك خطر تسييسه حاضر دوماً، وإن لم يعبّر عن نفسه، لكن تفاقم الخطر في بعض الأوقات، وتهوّر البعض في التعامل مع هذا الملف يستدعيان رسائل، أمنية وسياسية، واضحة، كتلك التي تتوالى من المملكة منذ أيام.

الحج فريضة دينية تُعظّم فيها الشعائر، بعيداً عن اختلاف الألوان، والأعراق، والجنسيات، ليشهد مؤدوها منافع موعودة من الله الذي يسّر لهم الاجتماع في هذا المكان، ليذكّرهم بإخوّتهم، ويقوّي الروابط بينهم في مبتدأ الرسالة.

هل النصرة المزعومة لقضايا الأمة تعني التعامي عن جوهر هذه الفريضة، وتوظيفها للتنازع؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3b5dv7fu

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"