دعوات العيد

00:20 صباحا
قراءة دقيقتين

ما أكثر الأوقات والمناسبات التي تستدعي أن يقف فيها المرء مراجعاً ذاته، إمّا تثبيتاً لخطى بان صوابها، وإما مراجعة وتصويباً لسبل انحرفت به عن مراده، أو عمّا يجب أن يكون.

والأمر ذاته ينطبق على الأمم، والشعوب، والدول، فكم من أحداث مثّلت منعطفات في مسارات بعضها، ولم يكن الانكسار نهاية، بل تبعته نهضة، ولا الانتصار بداية، إذ تلاه سقوط بدّد ثماره، أو أسقطها في يد من لا يستحق.

العيد من المناسبات التي تفرض علينا، أفراداً وشعوباً وأمماً ودولاً، التفاتة صادقة إلى أحوالنا التي يسرّ معظمها، بغير شك، العدو حيثما كان، ومهما كان مراده. وما أكثر الأعداء وأخبثهم في عالم السياسة الذي لا يتسع للنوايا الطيبة، ولا تتعطل شياطينه في الأيام المباركة.

يحق للبعض التذرع بأن العيد يوم، أو أيام بهجة، لا داعي فيها للتنغيص على النفس والآخرين، وفتح ملفات يمكن تأجيلها، غير أن ذلك رفاهية لا تليق بما نعيشه في منطقتنا من جراح مفتوحة في كل الاتجاهات، والنهايات معظمها في قبضة المجهول.

بعض جراح المنطقة مزمن، وبعضها متجدد في دورات زمنية كأنها الحيّز الجغرافي الوحيد في خريطة العالم المنذور للقلق، والاستهداف، المحروم من الاستقرار، ولو لعقد واحد من الزمن.

الناظر إلى خريطتنا في أي اتجاه يريد، تتجلى أمامه خطوط الأزمات، إلا في بقاع نادرة تعيش معاناة خاصة، وهي القلق على الآخرين، أو منهم، والانشغال بهم.

لا أحد في حاجة إلى التذكير بتفاصيل ما يجري في ليبيا، والسودان، وسوريا، واليمن، وفي غزة، العنوان الملتهب للقضية الفلسطينية. وبدرجات أقل، يمكن تعداد دول أخرى غارقة في أزمات العبث السياسي، والطائفي، وغياب المشروع والهدف، بل والقائد.

تكفي العناوين مراعاة لمن يلتمسون هدنة في أيام العيد تضمن الابتعاد المؤقت عن التفاصيل الموجعة، والتعامي عن أرقام قتلى، ومصابين، ونازحين، ولاجئين، وتائهين في غبار معارك مع «الآخر»، وهو، للأسف، في أغلب الحالات أخ في وطن اجتهد ساسته في الذهاب به إلى ساحات الاحتراب، حيث انقسم السلاح الواحد إلى اثنين، أو أكثر، وتمزقت الخريطة إلى أوطان صغيرة بزعامات مصنوعة على نار الفتنة.

البهجة في العيد حق لا يتجزأ عن الحق في الحياة، لكنها بهجة نادراً ما تكتمل في منطقتنا، وتمتزج بمرارة ما يعانيه إخوة لنا في أكثر من بلد يضيع الفاعلون فيه المناسبة تلو الأخرى من غير اتّعاظ، أو إحساس بما يسببونه من جرائم في حق الجميع، ويصرّون على التضحية بالناس والممتلكات.

كل القلوب مع الذين تمرّ عليهم الأعياد وهم غارقون في أزمات، ومِحن، وكل الدعوات لهم بالنجاة منها ليذوقوا من جديد طعم الأوطان المستقرة المتوحدة خلف قيادة عاقلة تفتدي الواثقين بها، الأوطان الذاهبة إلى المستقبل متحررة من تبعات الانقسام، المتأهبة دوماً لخبث العدو.. القريب والبعيد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4rvk33kj

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"