غزة لم تعرف العيد

00:23 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، لم يعرف القطاع الفلسطيني المدمر والمحاصر العيد، فلا نحر للأضاحي ولا ولائم عائلية، ولا مظاهر احتفال ولا هدايا للأطفال، إنها مقبرة تنبعث منها رائحة الموت والفقد والدمار من كل الأرجاء، ولم يعد هناك مكان للفرحة في هذا القطاع الذي تحوّل في ثمانية أشهر إلى مسرح حيّ لإبادة جماعية حاقدة وجريمة ضد الإنسانية لن تسقط لقرون.

قبل 70 يوماً استقبل قطاع غزة عيد الفطر، وسط حرب ضارية وقتل وتدمير وتشريد، وكان مأمولاً أن تنعقد هدنة أواخر شهر رمضان المبارك، لكنها لم تحدث، وصمّم الجيش الإسرائيلي على اجتياح رفح، فتجاهل تحذيرات الوسطاء والشركاء، وتجاوز الخطوط الحمراء التي أعلنها حليفه الأمريكي. وبموازاة ذلك صدرت قرارات من محكمة العدل الدولية، وتصاعدت الجهود الدبلوماسية لوقف هذه الحرب المجنونة، وصوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأخيراً صوّت مجلس الأمن على القرار 2735 الذي يدعم مبادئ اقتراح الرئيس الأمريكي جو بايدن حول وقف إطلاق النار في غزة. وكان مأمولاً أن تسارع الأطراف ذات الصلة بتسريع الإجراءات لتطبيق بنود الاتفاق قبل حلول عيد الأضحى، وقد جاء العيد ولم يشهد الفلسطينيون خيراً، وواصلت إسرائيل مذابحها بحق الأطفال والنساء والنازحين.

في مثل هذا الوقت من كل عام، كانت غزة ترفل في الزينة والأضواء والأراجيح لاستقبال عيد الأضحى وانتظار عودة الحجاج القادمين من الحرمين الشريفين، لكن اليوم الوضع مختلف، وغزة التي يعرفها أهلها لم تعد موجودة، فقد دمرتها الذخائر الأمريكية المقدمة للجيش الإسرائيلي، وتلك جريمة ستفتح ملفاتها يوماً، خصوصاً بعد مجزرة المواصي الرهيبة التي قتلت وأصابت نحو ألف فلسطيني مقابل استعادة أربع رهائن، ضمن عملية كانت تهدف إلى تصوير مشهد انتصار لم يتحقق بالمعنى العسكري والسياسي لإسرائيل ولم يصمد أمام هول الجرائم المرتكبة بحق المدنيين الأبرياء، والذين تكفل كل القوانين الدولية حمايتهم، إلا الشرعة التي تستند إليها في حربها القذرة على الشعب الفلسطيني.

من المؤلم ألا يعيش سكان غزة فرحة العيد مثل كل أقرانهم في بلاد المسلمين الممتدة من مشارق الأرض إلى مغاربها، ومن المؤلم أيضاً أن المجتمع الدولي الذي يتظاهر بالتباكي على أطفال غزة الضحايا في مئات المذابح، مازال يصطنع العجز لوقف هذه الحرب الهمجية، بينما أصبح ذاك القطاع الضيق مختبراً للقيم الإنسانية وللمعايير القانونية والأخلاقية وامتحاناً تسقط فيه سياسات وخيارات وحكومات، خصوصاً في مثل هذه المناسبات التي يفترض أن تكون فرصة لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الكافية للسكان المحاصرين، وامتثالاً للمناشدات والنداءات التي تصدر، على مدار الساعة، من جياع ومصابين ومرضى يحتضرون.

هذه الحقبة، وتحت وطأة الفاجعة الدائرة في غزة والاعتداءات المستمرة في الضفة الغربية والقدس، كانت الأسوأ على الإطلاق في المنطقة منذ عقود. وما جرى على مدى أشهر من هذه الحرب أحدث جرحاً عميقاً في الضمير الإنساني، ولم يعد هناك مزاج يقبل ببقاء الوضع على حاله، بل يجب وقف هذا العدوان وإقامة الدولة الفلسطينية وفق القوانين والحقوق المشروعة، والعمل على أن يعيش الشعب الفلسطيني بكرامة ويعود عليه العيد المقبل منعماً بالأمن والخير والسلام.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/kunb43ck

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"