أستراليا بين الهجرة والإسكان

21:28 مساء
قراءة 4 دقائق

نيكولاس سبيرو *

في عام 2018، تجاوز عدد سكان أستراليا 25 مليون نسمة، في أسرع وتيرة بين الدول المتقدمة. وذلك خلافاً للتوقعات الحكومية التي تنبأت الوصول لهذا الرقم في 2028.

وكانت معدلات الهجرة المرتفعة، مع قدوم شخص واحد للعيش فيها كل دقيقة، بمثابة نعمة للاقتصاد الأسترالي، أنعشته، وعززت مكانة البلاد كواحدة من أنجح المجتمعات متعددة الثقافات في العالم.

ولا تزال أعداد المتدفقين تزداد، فوفقاً لبيانات المكتب الأسترالي للإحصاء، نما عدد السكان بنسبة 2.5%، أو 660 ألفاً منذ 2018 وحتى سبتمبر/أيلول 2023، وشكلت الهجرة الخارجية الصافية 83% من النمو، حيث تجاوز الانتعاش الحاد في عدد الوافدين، وخاصة أولئك الذين يحملون تأشيرات مؤقتة للعمل أو الدراسة.

ورغم التكهنات بانخفاض صافي معدلات الهجرة، من المتوقع أن ينمو عدد سكان أستراليا بمعدل سنوي قدره 1.4% في عامي 2025 و2026. وسيتجاوز العدد 30.9 مليون شخص في عشر سنوات، وفقاً لبيانات الحكومة.

لطالما كان النمو السكاني محل نقاش خاص وجوهري بالنسبة للاقتصاد الأسترالي، واتجاهاً ضخماً يجذب المستثمرين العالميين. لما يقدمه من طلبات إضافية على السلع والخدمات، ورافعة تستخدمها الحكومة لمعالجة نقص المهارات، كما يميز أستراليا عن الاقتصادات الأخرى التي تواجه تحديات ديمغرافية شديدة، وخاصة اليابان.

ويعتبر النمو السكاني السريع في أستراليا، محركاً حاسماً أيضاً لصناعة العقارات في البلاد. وهو ما عبر عنه مايك زورباس، الرئيس التنفيذي لمجلس العقارات في أستراليا، بالقول: «إنه بلا شك جزء من النجاح الاقتصادي لأستراليا».

وبحسب شركة العقارات «سي بي آر إي»، فإن الزيادة المتوقعة في عدد سكان أستراليا بين العام الماضي وعام 2025 ستترجم إلى زيادة في الطلب تُقدر ب 5.2 مليون متر مربع من المساحات الصناعية واللوجستية، و1.1 مليون متر مربع من مساحات البيع بالتجزئة، و13500 غرفة فندقية، و475 ألف منزل.

وفي سوق الاستثمار العقاري التجاري، حققت القطاعات التي تستفيد أكثر من الهجرة أداءً قوياً على الرغم من الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة. وفي العام الماضي، ارتفعت أحجام المعاملات في قطاع الإسكان متعدد العائلات الناشئ، وقطاع الأبنية المعدة للإيجار، وقطاع السكن الطلابي المخصص، إلى أقوى مستوى سنوي على الإطلاق بنسبة 86%، وفقاً لبيانات «إم إس سي آي».

ولعل التباين الصارخ بين الأزمة الديمغرافية في اليابان والنمو السكاني في أستراليا هو أحد الأسباب التي دفعت المستثمرين اليابانيين إلى نشر المزيد من رأس المال العقاري، وغيره، في بلاد الكنغر العام الماضي، مقارنة بما فعلوه خلال السنوات العشرين الأخيرة مجتمعة.

أضف إلى ذلك، ما تتمتع به مراكز التسوق الأسترالية من جاذبية للمستثمرين، ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتفاع عائدات الإيجار والطلب المرتفع. ووفقاً لشركة «كوليرز»، فإن أستراليا تخاطر بنفاد مساحة مراكز التسوق على مدى العقد المقبل بسبب ندرة مواقع التطوير المتاحة والقيود اللوجستية الأخرى.

ومع ذلك، فإن اختلال التوازن بين العرض والطلب هو جوهر المشاكل التي تفاقمت بسبب الهجرة المرتفعة. إذ يتجاوز النمو السكاني الناتج الاقتصادي بشكل كبير، ما يؤدي إلى انكماش صريح في الناتج لكل فرد. وفي بعض مناطق ملبورن وسيدني، شكلت الهجرة الصافية الداخلية والخارجية العام الماضي ما بين 10% و25% من السكان المحليين.

وعلى الرغم من أن زيادة المهاجرين الناجمة عن الوباء مؤقتة، إلا أن تأثيرها كان أكثر وضوحاً في قيم العقارات السكنية بعد ذلك. ولأن أكثر من 60% من الوافدين، في السنوات الخمس التي سبقت عام 2021، كانوا مستأجرين، فإن صدمة الطلب تفاقمت، في الوقت الذي أدت فيه تكاليف الاقتراض المرتفعة ونقص العمالة وارتفاع تكاليف البناء إلى تنامي قيود العرض.

وأجبر ارتفاع الإيجارات بنحو الثلث منذ اندلاع الجائحة، الحكومة الأسترالية على فرض قيود صارمة على الهجرة، بما فيها تشديد نظام تأشيرات الطلاب، والتعهد بخفض صافي الهجرة إلى مستويات ما قبل «كوفيد».

ولكن السؤال الكبير هو ما إذا كانت أستراليا ستتعلم الدرس من التحديات المزدوجة التي يفرضها ارتفاع معدلات الهجرة وأزمة الإسكان. والواقع أن الارتباط بين ارتفاع معدلات الهجرة الصافية والتغيرات في قيم الإيجار ضعيف. ففي مناطق داخل سيدني وملبورن، والتي شهدت أشد ارتفاع في معدلات الهجرة الصافية، شكلت الهجرة الداخلية وليس الخارجية السواد الأعظم من الوافدين، حسبما أشارت شركة «كورلوجيك».

وحتى في المناطق التي كانت فيها الهجرة الصافية الخارجية أكثر انتشاراً، لم يكن هناك سوى ارتباط ضعيف إيجابي بينها وبين قيمة الإيجار، وهو ما يعني أن عوامل أخرى، مثل قيود العرض والقدرة على تحمل التكاليف، كانت أكثر أهمية. وقد أشار زورباس إلى هذه العوامل قائلاً: «لدينا مشكلة إسكان، وليس مشكلة هجرة».

لا شك أن بناء مساكن جديدة يستغرق وقتاً، وهو ما يجعل إصلاحات جانب الطلب، وخاصة النظام الضريبي الذي يوفر الحوافز للمستثمرين العقاريين، على نفس القدر من الأهمية. ومع ذلك فإن إلقاء اللوم على الهجرة وحدها في أزمة الإسكان أمر مضلل، فأستراليا تستطيع الاستعانة بعمال أكثر مهارة للمساعدة في بناء مئات الألوف من المساكن الجديدة التي تشتد الحاجة إليها.

* شريك في مجموعة «لوريسا» الاستشارية المتخصصة في العقارات والاقتصاد الكلي «ذا أتلانتيك»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2wxb37da

عن الكاتب

شريك في مجموعة «لوريسا» الاستشارية المتخصصة في العقارات والاقتصاد الكلي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

مقالات أخرى للكاتب