الهجرة وأزمة الإسكان

21:40 مساء
قراءة 4 دقائق

أندرو موران *

لسنين طويلة وحتى يومنا هذا، والنقاش حول كلفة الهجرة الجماعية على دافعي الضرائب الأمريكيين محتدم.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، قدّرت لجنة القضاء العليا واللجنة الفرعية المعنية بسلامة الهجرة والأمن وإنفاذ القانون، مجموع ما أنفقته الحكومات الفيدرالية في الولايات المتحدة بنحو 151 مليار دولار على الأجانب غير الشرعيين من المهاجرين في عام 2023، سواء عبر مدفوعات الرعاية الاجتماعية أو تكاليف مراكز الحجز والسجون.

وفي ظل مواجهة الاقتصاد الأمريكي لوابل من التحديات الاقتصادية، يسلط الخبراء الضوء على مدى تأثير الهجرة الجماعية على قضايا مفصلية، كنقص الغذاء، وأزمة الإسكان، وسوق العمل في الولايات المتحدة. وهي حقيقة غير مريحة لا ترغب وسائل الإعلام المعروفة سماعها أو نقلها للجمهور.

لقد بدأ حلم الأمريكي بامتلاك مسكن خاص، أو العثور على شقة للإيجار لا تستهلك أكثر من 30% من دخله، يتلاشى.

وفي العام الماضي، تم تصنيف 16% فقط من قوائم المساكن على أنها «ميسورة الكلفة» بسبب ندرة العرض وزيادة الطلب، ما فرض منافسة شديدة في سوق الإسكان.

في مقابلة حديثة مع صحيفة «تليغراف»، اعترف رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس نيل كاشكاري، بأن الزيادة الكبيرة في معدلات الهجرة أرست ضغوطاً هائلة على قطاع الإسكان، خاصة بعد سنوات من البناء الشحيح للوحدات السكنية. وقال للصحيفة البريطانية: «بعد الأزمة المالية الكبرى، خفت وتيرة بناء المساكن في سائر الولايات المتحدة، وأصبح هناك نقص في المعروض».

وتابع: «ثم جاء الطلب المتزايد على الإسكان بعد «كوفيد-19»، حيث يعمل مزيد من الناس عن بُعد. ومن المفروض أن يخص هذا السكان الحاليين فقط. ولكن في السنوات القليلة الماضية، شهدنا ارتفاعاً كبيراً في الهجرة، ومن الواضح أنهم يحتاجون إلى مكان للعيش فيه، ما فاقم أزمة الطلب أكثر».

في غضون ذلك، تشير تقديرات الصناعة إلى أن البلاد ستحتاج إلى نحو ستة ملايين وحدة سكنية جديدة لاستعادة بعض مظاهر القدرة على تحمل التكاليف. وهو هدف من غير المؤكد تحقيقه، حسب المعطيات الحالية والبيانات المختلطة. ونتيجة لهذا، من المرجح استمرار مخزونات العرض الضيقة في المستقبل المنظور، خصوصاً مع ارتفاع تكاليف المدخلات لبناء مساكن جديدة بنسبة 30% في السنوات الثلاث الماضية.

وكان «غولدمان ساكس» قد أشار العام الماضي إلى أن التعافي بعد الأزمة في الهجرة، والذي دعم النمو السكاني، ساهم برفع الطلب على الإسكان والحد من انخفاض أسعار المساكن. وأوضح خبراء في وحدة «بلومبيرغ إيكونوميكس» مؤخراً، أن نقص المساكن والضغوط المرتبطة بتكاليف المعيشة تشكل عاملاً مشتركاً في الاقتصادات المتقدمة التي شهدت ركوداً في نصيب الفرد.

وبينما أثرت الهجرة الجماعية على الإسكان الميسور الكلفة، أدت أيضاً إلى تفاقم أوضاع مراكز الإيواء في المدن الحضرية الكبرى، مثل نيويورك إلى شيكاغو وغيرها ممن تؤوي عشرات الآلاف من المشردين، وتشهد الآن تدفقاً للمهاجرين.

وقد فرضت الزيادة الهائلة في أعداد هؤلاء ضغوطاً إضافية على الأنظمة المحلية التي أصبحت مرهقة بالفعل إلى أقصى حد. وفي نهاية المطاف، تتنافس الأسر الأمريكية والمشردون على المساكن الآمنة مع المهاجرين غير الشرعيين.

وفي السياق ذاته، أفادت «ليبرتي نايشن» عن فجوة البيانات الحاصلة في الوظائف الشهرية بين العمال المولودين في الولايات المتحدة وخارجها. وفي حين كانت هناك تقلبات هائلة في تقرير الرواتب غير الزراعية، يمكن الاستنتاج أن الأجانب تمتعوا بنمو مثير للإعجاب في التوظيف، متجاوزين المواطنين الأمريكيين.

وقد لفت هذا انتباه مجموعات أخرى، بما في ذلك مركز دراسات الهجرة، الذي ذكر أن عدد الأمريكيين المولودين في الولايات المتحدة، وعملوا في الربع الرابع من عام 2023، كان أقل بنحو 183 ألف شخص مقارنة بالربع الرابع من عام 2019، أي قبل «كوفيد-19». في حين ارتفع عدد المهاجرين (الشرعيين وغير الشرعيين) العاملين بنحو 2.9 مليون شخص مقارنة بعام 2019.

في المقابل، يرى البعض أن المهاجرين غير المسجلين قادرون على العمل في أماكن وقطاعات لا يعمل بها الأمريكيون. وهو ما صرح به النائب جيري نادلر، في وقت سابق من هذا العام. كما اعترف خبراء اقتصاديون ومنظمات أخرى، بأن تدفق المهاجرين ساعد على إبقاء التضخم تحت السيطرة، ومنع الأسعار من الارتفاع أكثر، وسمح لسوق العمل الأمريكي بالازدهار بعد نهاية الجائحة.

ووسط كل ذلك، ترى الولايات المتحدة نفسها عالقة بين مجموعة متناقضة من التحديات. فمن ناحية، قد تؤدي أزمة القدرة على تحمل تكاليف السكن وتباطؤ سوق العمل إلى تعزيز الاستياء بين عامة الناس، الأمر الذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية على الساسة الذين يؤيدون فتح الحدود. ومن ناحية أخرى، تحتاج الحكومات الفيدرالية إلى المزيد من الهيئات لتمويل الاستحقاقات، وسد العجز الهائل في الميزانية، وتوليد المزيد من الأصوات في صناديق الاقتراع.

كل ذلك، ووسائل الإعلام اليسارية لا تتناول بالتفصيل مدى الضرر الذي تلحقه الهجرة الجماعية غير الشرعية بالأسرة الأمريكية النموذجية، مقللة من حجم الأزمة إلى حد بعيد.

* محرر الاقتصاد في «ليبرتي نايشن»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr3ze4xz

عن الكاتب

محرر الاقتصاد في «ليبرتي نايشن»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"