الإمارات في «السبع الكبرى»

00:17 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. صلاح الغول*

كان حضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، القمة الاستثنائية لمجموعة الدول السبع الكبرى في إيطاليا (13-15 يونيو/حزيران الجاري)، ذا دلالات استثنائية؛ فهذه أول مرة تُشارك دولة الإمارات في قمة مجموعة الدول السبع، التي ينظر إليها ثلة من المحللين على أنها مجلس إدارة العالم. وتأتي مشاركة رئيس الدولة في القمة بعد زيارته للصين وترسيخ الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الإمارات والصين؛ ما يعني حرص سموه، بل وبراعته، في صناعة الحلفاء وتنويع الشركاء وتحقيق التوازن بينهم. وترمز هذه المشاركة إلى الصعود «الاستثنائي» لدور دولة الإمارات على المستوى العالمي، وإلى أهمية تشاور الدول الكبرى مع قادتها حين التداول حول القضايا الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها حربا غزة وأوكرانيا، وقضايا الاستدامة والنمو الاقتصادي والذكاء الاصطناعي والطاقة والتغير المناخي.

والواقع، أنه في إطار التعاون الدولي متعدد الأطراف، وهو ركيزة رئيسية من ركائز السياسة الاقتصادية والخارجية الإماراتية، رفعت دولة الإمارات مستوى مشاركاتها في التكتلات الاقتصادية الدولية ونوّعتها. فقد اكتسبت عضوية مجموعة بريكس، ويتنامى تعاونها مع مجموعة العشرين، وتكتل آسيان، وتنخرط بفاعلية في تطوير الممرات الاقتصادية الدولية.

والواقع أنّ انضمام دولة الإمارات إلى مجموعة بريكس، منذ يناير/ كانون الثاني 2024، يدعم الازدهار الاقتصادي طويل الأمد للدولة، ويُعزز موقفها الاستراتيجي والاقتصادي في الساحة الدولية، ويُوسع نطاق وصولها إلى الأسواق العالمية للسلع والخدمات.

وتعدّ الإمارات أكثر الدول العربية التي يتم دعوتها للمشاركة كدولة ضيف في قمم مجموعة العشرين، التي تمثل دولها مجتمعة 85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و75% من التجارة الدولية وثلثي سكان العالم. وتنخرط الإمارات بفاعلية في القضايا ذات الأولويات لمجموعة العشرين، ولاسيما تغير المناخ، والتحول في مجال الطاقة، والحد من مخاطر الكوارث، والتعرض لمخاطر المديونية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وفي إطار توجهها نحو القارة الآسيوية، تعمد دولة الإمارات إلى تعزيز شراكتها الاقتصادية مع تجمع «الآسيان»، دولاً ومؤسسات. وفي هذا الخصوص، أكد صاحب السمو رئيس الدولة، في كلمته أمام قمة مجلس التعاون و«الآسيان» بالرياض في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أن دولة الإمارات تنظر باهتمام كبير إلى العلاقة مع دول رابطة «الآسيان»، في إطار نهجها القائم على بناء جسور التعاون مع مختلف دول العالم، بما يصبّ في مصلحة التنمية والازدهار للجميع، منوهاً بأن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الإمارات ودول «الآسيان» شهدت تطوراً ملحوظاً خلال الفترة الماضية، وأن دولة الإمارات تعمل من أجل مزيد من الشراكات الاقتصادية مع دول الرابطة خلال الفترة المقبلة، بما يحقق نقلات نوعية في علاقات الجانبين.

وفي هذا الصدد، وقعت الإمارات معاهدة الصداقة والتعاون مع «الآسيان»، وترتبط باتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة مع عدد من دول الآسيان، وهي سنغافورة وإندونيسيا وكمبوديا، وتنخرط في مفاوضات لتوقيع اتفاقيات مماثلة مع فيتنام وماليزيا، وتستحوذ على نصيب الأسد من الاستثمارات الخليجية في منطقة الآسيان.

ومن الصحيح أنّ فكرة الممرات الاقتصادية هي أحد تجليات التنافس الاقتصادي على أسواق العالم بين الدول الكبرى، إلا أنّ انخراط دولة الإمارات في الممرات الدولية المختلفة، بداية من مبادرات الحزام والطريق الصينية مروراً بالممر الهندي لأوروبا وصولاً لممر التنمية العراقي، ذو دلالة بالغة يؤكد قدرتها على تنويع الشركاء والتوازن في التفاعلات مع الشركاء المختلفين.

وتُشارك الإمارات بفاعلية في مبادرة الحزام والطريق، التي طرحت عام 2013، وخاصة أنشطتها البحرية، وتُعدّها فرصة مواتية لتطلعاتها التنموية والاستثمارية إقليمياً ودولياً، عبر توسيع الاستثمار في الصين، وإمدادها بالطاقة وزيادة التبادل التجاري، وتعزيز التبادلات والتعاون في مجالات تشمل التمويل والطيران والمشاركة بين الأفراد والمشاركة الثقافية ودعم التعاون العلمي والتكنولوجي مع الشركات الصينية.

وعلى هامش قمة مجموعة العشرين بنيودلهي، في سبتمبر/ أيلول 2023، وقعت الإمارات مذكرة تفاهم عن الممر الاقتصادي الدولي من الهند إلى أوروبا عبر الخليج العربي، مع الولايات المتحدة والهند والسعودية والاتحاد الأوروبي. وفي أواخر إبريل/ نيسان المنصرم، أبرمت أبوظبي اتفاقاً رباعياً مع كل من العراق وتركيا وقطر للتعاون في مشروع طريق التنمية الاستراتيجي.

ويهدف مشروع الممر الاقتصادي الدولي إلى ربط الهند بأوروبا عبر دول الشرق الأوسط، ما يساعد على تدفق التجارة وتعزيز التكامل الاقتصادي بين هذه المناطق. ويتألف المشروع من ممرين منفصلين، هما الممر الشرقي الذي يربط الهند بدول الخليج (الإمارات والسعودية) عبر بحر العرب، والممر الشمالي الذي يربط الخليج بأوروبا، عبر خطوط سكك حديدية تخترق الإمارات، ثم السعودية والأردن، ليصل، عبر الموانئ المتوسطية، إلى إيطاليا وفرنسا ثم ألمانيا.

أما مشروع «طريق التنمية بين العراق وتركيا وأوروبا»، الذّي يربط الخليج العربي بأوروبا عبر تركيا، فيهدف إلى تعزيز التنمية الإقليمية عن طريق زيادة التبادل التجاري، وتيسير انتقال عوامل الإنتاج، والإسهام في الاستقرار الإقليمي من خلال تعزيز التنمية الاقتصادية في المناطق الحدودية بين العراق وتركيا.

[email protected]

*متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4jrtkzct

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"