سيناريوهات الانتخابات المبكرة في بريطانيا

00:05 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. صلاح الغول

في 22 مايو/ أيار المنصرم، دعا رئيس الوزراء البريطاني «ريشي سوناك» إلى انتخابات عامة مبكرة، في 4 يوليو/ تموز المقبل؛ لاختيار أعضاء مجلس العموم البالغ عددهم 650 عضواً. وفي نظر المراقبين، يُعد قرار «سوناك» مفاجئاً ومقامرة محفوفة بالمخاطر؛ لأن رئيس الوزراء وحزبه وحكومته في أسوأ حالاتهم. فوفقاً لأحدث استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «إبسوس»، في إبريل/ نيسان الماضي، بلغت درجة الرضا الشعبي العام عن أداء سوناك 16% فقط، وانخفضت شعبية حزب المحافظين إلى 19%؛ وهما أدنى مستوى يحققه رئيس وزراء قائم، وحزب حاكم منذ عام 1978.

كما يعاني حزب المحافظين مشكلة في القيادة؛ حيث قام بتغيير قيادته أربع مرات خلال 4 سنوات، ومن سوء الأداء الانتخابي السابق؛ فقد حل ثالثاً بعد حزب العمال، والديمقراطيين الليبراليين، في الانتخابات المحلية التي جرت في مايو/ أيار المنصرم. من دون الحديث عن ضعف الثقة المتزايدة لدى الناخبين في أداء الحكومة؛ حيث عبّر أغلبية المشاركين (84%)، في استطلاع الرأي المذكور عاليه، عن عدم رضاهم عن الطريقة التي تدير بها الحكومة البلاد.

ومن ثم يثور التساؤل عن الأسباب التي جعلت «سوناك» يدعو إلى انتخابات مبكرة. بادئ ذي بدء، ثمة متغيرات إيجابية برزت في الآونة الأخيرة تصب في مصلحة حزب المحافظين، أهمها- بوادر تحسن الاقتصاد، ونجاح تمرير خطة ترحيل المهاجرين إلى رواندا. وفي رأي «سوناك»، قد تسوء الأحوال الاقتصادية خلال الأشهر القليلة المقبلة، ومن غير المرجح أن تتحسن آفاق حزبه بين الحين والآخر. كما أنّ عنصر المفاجأة بالتصويت قد يصب في مصلحة حزبه، وأنّ عنصر الوقت يعمل لمصلحة خصمه «حزب العمال» المعارض، لتنظيم صفوفه، ودعم قواعده الشعبية.

وتجري الانتخابات المقبلة وفقاً لنظام الأغلبية النسبية، والمعروف ب The-First-Past-the-Post؛ أي يحصل المرشح صاحب أكبر عدد من الأصوات في الدائرة الانتخابية على المقعد البرلماني. وبعد إعلان نتائج الانتخابات، يُصبح زعيم الحزب الحائز على أكبر عدد من مقاعد البرلمان رئيساً للوزراء. وإذا لم يحصل أي حزب على أغلبية داخل البرلمان، يصبح الأخير «مُعلقاً» إلى أنْ يتمكن الحزب الأكبر من تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب آخر، أو العمل كحكومة أقلية، معتمداً على أصوات الأحزاب الأخرى لتمرير أية قوانين؛ وهي حالة نادرة الحدوث في المملكة المتحدة، لم تتحقق سوى مرة واحدة عام 2010 (حكومة ديفيد كاميرون الائتلافية)، منذ عام 1945.

وقد شهد النظام الانتخابي عدة تغييرات عام 2022، أهمها وجود بطاقة هوية بصورة إلزامية للناخب عند التصويت، وتجريم ظاهرة «التصويت العائلي»، وإلغاء شرط عدم أحقية التصويت للمقيمين في الخارج لأكثر من 15 عاماً.

ويُهيمن الوضع الاقتصادي على الحملات الانتخابية؛ والذّي من أهم معالمه ولوج المملكة المتحدة في حالة ركود منذ نهاية عام 2023، وارتفاع كلفة المعيشة وأزمات الطاقة، وزيادة معدل التضخم وتراجع معدلات الاستهلاك، وتدني المؤشرات الاقتصادية والمالية بشكل عام، وحالة الخدمات العامة، بخاصة الخدمات الصحية.

وثمة مخاوف، وفقاً للجنة المستقلة للانتخابات، من التأثير المتنامي للحملات المضللة، والتهديد، والترهيب، ومن الأدوار المتصاعدة لشركات التكنولوجيا في توجيه الناخبين.

وهناك قضايا أخرى مهمة في أجواء الانتخابات، في مقدمتها قضية الهجرة غير المشروعة، وما يتصل بها من قضايا، مثل أمن الحدود، وأوضاع المهاجرين في البلاد، وحربا أوكرانيا وغزة.

وبالنسبة إلى سيناريوهات انتخابات يوليو/ تموز 2024، ثمة ثلاثة سيناريوهات، أولها، وهو المرجح، عودة حزب العمال للسلطة، ولاسيما في ظل التراجع المتزايد لشعبية حزب المحافظين، وتدني مستوى الثقة بحكومته، وسخط الرأي العام على المحافظين بسبب سلسلة من الفضائح والمشاكل الاقتصادية منذ 2016. ويعضد من فرص «العمال» الانتخابية أنّ رئيس الوزراء «سوناك» معزول إلى حد ما في حزبه، وإعلان 77 محافظاً عدم الترشح لإعادة انتخابهم.

ومن ناحية أخرى، يستند حزب العمال إلى تفوقه في الانتخابات المحلية قبل خمسة أسابيع على حزب المحافظين بأكثر من 20% من المقاعد، وبأكثر من 20 نقطة في أحدث استطلاعات الرأي العام. وثمة إمكانية لاقتناص الحزب بعض المقاعد من الحزب الوطني الإسكتلندي في اسكتلندا.

سيناريو استمرار حزب المحافظين في السلطة:

يعني هذا السيناريو أنّ مقامرة «سوناك» سوف تنجح؛ لاسيما وأن استطلاعات الرأي أثبتت أنها متقلبة. ويستند هذا السيناريو إلى تحقيق حكومته بعض المكاسب الاقتصادية مؤخراً، منها خفض معدل التضخم، والتخفيف من أزمة كلفة المعيشة، ونمو الاقتصاد بأسرع وتيرة منذ نحو ثلاث سنوات. ويستند الحزب إلى دعم الناخبين الأكبر سناً، أو المتقاعدين، والمؤيدين لليمين.

أما سيناريو الحكومة الائتلافية؛ فيعني حصول حزب العمال على أكبر عدد من مقاعد البرلمان من دون الأغلبية المطلقة. وهنا يمكّن من تشكيل ائتلاف حزبي لتشكيل الحكومة بين حزب العمال، وأي من حزبي الخضر، والديمقراطيين الليبراليين، أو تشكيل حكومة أقلية عُمالية يدعمها أي من الحزبين المذكورين من خارجها. والواقع أنّ تنامي صعود حزب الديمقراطيين الليبراليين على حساب المحافظين، وعدم توقع تحقيق حزب العمال نتائج حاسمة، يجعل هذا السيناريو محتملاً.

[email protected]

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/337mpued

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"