أزمة التعليم تُنذر بالسوء للتجارة

22:26 مساء
قراءة 4 دقائق

لورا فرجينتي *

يرتبط التعليم ارتباطاً عضوياً بأسواق العمل والنمو الاقتصادي، ما يؤثّر في العائدات الاقتصادية للأفراد وفي الناتج المحلي الإجمالي. فتحسين مستويات التعليم يسهم في زيادة صحّة أسواق العمل ومرونتها، ومن شأن تعميم التعليم الثانوي أن ينشل 420 مليون نسمة من الفقر حول العالم. وإضافة إلى العائدات الاقتصادية، يقود التعليم البلدان نحو السلام والاستقرار، الضروريَيْنِ للازدهار الاقتصادي، مولّداً حلقةً فاضلةً.

التعليم أذكى استثمار يمكن لبلد أن يقوم به، إذ كلّما استثمر بلدٌ في نظامه التعليمي، تحسّن أداؤه الاقتصادي بشكلٍ عام. وتظهر الأدلّة أنّ البلدان التي فيها عدد أكبر من الأشخاص الذي يرتادون المدرسة تشهد نمواً اقتصادياً أسرع من ذلك الذي تشهده البلدان، حيث عدد العمّال المتعلّمين أقلّ. وتبيّن دراسات أجراها المنتدى الاقتصادي العالمي، أنّ الاستثمار في التعليم أساسي لحماية الاقتصادات من الصدمات المفاجئة وأسواق العمل المتغيّرة بسرعة. وللتعليم أثر مباشر في الرواتب، إذ يدفع أصحاب الوظائف والرواتب الأفضل ضرائب أكثر، ما يزيد النمو الاقتصادي الوطني. وقد خلُصت دراسة أجرتها اليونسكو إلى أنّ كلّ دولارٍ أمريكيٍ أُنفق على التعليم ولّد نمواً اقتصادياً تراوح قيمته بين 10 دولارات و15 دولاراً. هذا ويزيد كلّ عامٍ إضافيٍ من التعليم دخل الفرد ب10%، في حين قد تزيد سنةٌ إضافيةٌ من الذهاب إلى المدرسة مدخول المرأة بما يصل إلى 20%.

على الرغم من كثرة الأدلة، يبقى التعليم في أزمةٍ مزمنةٍ، يفاقمها تضاؤل الموارد. فقد زادت جائحة «كوفيد-19» الطين بلّةً في القطاع، إذ تَأَثّر أكثر من 1.6 مليار نسمة بإغلاق المدارس حول العالم، ما تسبب في خسائر فادحة على مستوى التعلّم وعرّض هذا الجيل إلى خطر خسارة مكاسب قد يحقّقها مدى حياته تصل قيمتها إلى 21 تريليون دولار. واليوم، يجد أكثر من 250 مليون طفل وشاب أنفسهم خارج المدرسة، و70 في المئة ممن هم في العاشرة من العمر في الاقتصادات المنخفضة والمتوسطة الدخل لا يجيدون القراءة ولا يفهمون نصاً بسيطاً.

سينمو هذا الجيل وستنمو الأجيال المستقبلية في مجتمعٍ رقميٍ ينبع نحو 70% من القيمة الجديدة المولّدة في اقتصاده، خلال العقد المقبل، من نماذج أعمال تعتمد على القدرات الرقمية. وخلال الأعوام الخمسة المقبلة، من المحتمل أن يعرقل الذكاء الاصطناعي نصف مهارات العمّال، وقد يُصبح نصف أنشطة أعمال اليوم مؤتمتاً بين عامي 2030 و2060. على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث نسبة البطالة في صفوف الشباب هي الأعلى في العالم، أن تستحدث أكثر من 33.3 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2030، غير أنّ عدم تطابق المهارات قد رفع نسبة بطالة الشباب إلى 25%، مع تسجيل نسبة البطالة في صفوف الشابات 40%.

لا تزال أنظمة التعليم اليوم، وعلى وجه الخصوص في البلدان المنخفضة الدخل، غير مصممة بالشكل الصحيح لسوق الغد في أغلب الأحيان. وهذا يُنذر بالسوء للأعمال التجارية والتنمية الاقتصادية، ولا سيما في هذه المرحلة الحاسمة التي يغيّر فيها الذكاء الاصطناعي بسرعة أسلوب عملنا.

لن تتشكّل اليد العاملة المستقبلية بين ليلة وضحاها، فهي تترعرع في قاعات التدريس اليوم. وفيما يتقدم الذكاء الاصطناعي والابتكارات التكنولوجية الأخرى بسرعة كبيرة، هناك حاجة لا لبس فيها إلى أنظمة تعليم تُعدّ الشباب لعالمٍ رقميٍ. وبالتالي من المهم للغاية أن يواكب التعليم الطلب المتغيّر على المهارات، وأن يركّز على المهارات المرتكزة على الإنسان والتي يصعُب استبدالها، كالتفكير النقدي والتحليلي، وحلّ المشاكل، والمهارات التعاونية والمرتبطة بالقدرة على التكيّف، ومهارات اجتماعية- عاطفية أخرى.

وفيما تتطوّر التكنولوجيا والاحتياجات المرتبطة بالكفاءات، على أنظمة التعليم أن تقوم بذلك أيضاً لإنتاج يد عاملة ماهرة قادرة على تطوير المؤسسات التجارية وتحريك عجلة النمو الاقتصادي. فالتعليم الجيّد لا يوسّع آفاق الأطفال ومهاراتهم فحسب ليزدهروا في سوق عمل متغيّرٍ، بل يُعدّ أيضاً اليد العاملة التي تحتاج المؤسسات التجارية الحالية والمستقبلية إلى تطويرها ويسهم في النهوض الاقتصادي والازدهار اللذين لا يتركان أحداً يتخلّف عن الرّكب.

يتطلّب هذا تمويلاً مناسباً للتعليم. ولكن منذ عام 2020، انخفضت ميزانيات التعليم في نصف البلدان المنخفضة الدخل تقريباً بمعدّل 14%. كما سُجّل تراجعٌ في المساعدات الخارجية المخصصة للتعليم. وبحسب بيانات صدرت مؤخراً عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، انخفضت المساعدة الإنمائية الرسمية للتعليم إلى أقل من 10% من إجمالي المساعدات في السنة الأولى من الجائحة ممّا يقارب ال12% قبل عقد من الزمن. وفي حين أنّ تقليص الإنفاق على التعليم قد يُسعف الميزانيات على المدى القصير، فإنّه يحرم الاقتصادات من الازدهار الطويل الأمد.

التعاون المتعدد الأطراف ضروري لتوجيه التمويل المناسب إلى التعليم في البلدان المنخفضة الدخل. وإنّ الشراكة العالمية للتعليم، إذ تشارك بلدان الخليج إيمانها الراسخ بأنّ التعليم سبيل أساسي للازدهار.

مع شركائنا من الخليج، سعينا إلى معالجة أزمة تمويل التعليم عبر الابتكار. وليست مبادرة التمويل الذكي للتعليم سوى وجه من أوجه التعاون التي سمحت للشراكة العالمية للتعليم، والبنك الإسلامي للتنمية، ومجموعة التنسيق العربية بجمع نصف مليار دولار لمساعدة الملايين من الأطفال على الحصول على التعليم الجيّد. وعبر توفير 4 دولارات مقابل كلّ دولار يتم تأمينه من الصندوق المضاعف التابع للشراكة العالمية للتعليم، ساعدت مبادرة التمويل الذكي للتعليم الحكومات على معالجة أزمات التعلّم في بلدانها عبر حشد المزيد من التمويل بشروط أفضل، وضمان أن تُستثمر هذه الموارد في برامج تعليمية فعالة ومستدامة.

وخلال الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية لعام 2024 واحتفالية يوبيلها الذهبي، ضمّ البنك الإسلامي للتنمية ومجموعة التنسيق العربية صوتيهما إلى صوت الشراكة العالمية للتعليم احتفالاً بنجاح مبادرة التمويل الذكي للتعليم. وانطلاقاً من هذا النجاح، تعهّد الشركاء بمبلغ إضافي بقيمة 350 مليون دولار سيُخصّص لمبادرة التمويل الذكي للتعليم لإتاحة فرص تعلّم إضافية للأطفال في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا العضو في منظمة التعاون الإسلامي.

تمويل التعليم الجيّد ليس ترفاً؛ هو ضرورة سوقية ومسؤولية جماعية لبناء مستقبل زاهر ومنصف.

* الرئيسة التنفيذية للشراكة العالمية للتعليم

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/38rkp2kn

عن الكاتب

الرئيسة التنفيذية للشراكة العالمية للتعليم

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"