عادي
في شاعرية البصر

الحروف تعزف أنشودة الحب

15:12 مساء
قراءة 3 دقائق
وسام شوكت

الشارقة: جاكاتي الشيخ
رغم كون الفنان العراقي وسام شوكت مهندساً مدنياً؛ إلا أن حب الخط العربي تملّكه منذ صغره، ليظل مهتماً به، حتى أصبح واحداً من أبرز الخطاطين العرب، بل وصل في الإبداع إلى المستوى الذي جعله يبتكر خطاً جديداً شكّل إضافة نوعية لأساليب الخط العربي الجميلة، ولقي قبولاً كبيراً في الوطن العربي وخارجه.

اشتغل شوكت منذ بدايته على كتابة لوحاته بمختلف أساليب الخط العربي التقليدية، فكان يبدع فيها كلها بنفس المستوى، ولم يكن يفرق بينها كثيراً، من ناحية قدرتها على إبراز جماليات اللغة العربية، بوصفها صورة ناصعة للإبداع الفني في التراث العربي الإسلامي، رغم تفضيله لبعضها على الآخر أحياناً، إلا أنه كان يحاول دائماً تقديم بصمات مختلفة عن ما هو مألوف في هذه الخطوط، لإيمانه بأن الإبداع الفني لا يمكن أن يظل محصوراً في قوالب موروثة، وخاصة الخط العربي الذي يمكن للخطاطين أن يقوموا بإضافات، ولو كانت طفيفة، لإظهار قابليته للتجريب والظهور في أثواب قشيبة، وهو ما دفعه إلى تقديم أسلوب خطيّ جديد، تمثل هذه اللوحة التي خطها بمضمون «كل أرض تنبت الحب وطن» نموذجاً له.

* ابتكار

استطاع شوكت أن يطوِّر في الخط العربي حتى تمكن من ابتكار خط جديد سمّاه «خط الوسام»، وذلك نتيجة لاجتهاده ومثابرته، ورغبته في تقديم الجديد، فقد كان اشتغاله على تطويع الخطوط العربية التقليدية لتوائم التصاميم الحديثة محفزاً له من أجل تقديم هذا الابتكار، وهو عبارة عن خط يمزج بين خطوط السنبلي والديواني والكوفي، مع بعض الإضافات اللافتة التي تبرز البصمة الخاصة للفنان شوكت؛ حيث قضى أكثر من عشر سنوات في تحديد قواعده وأسسه وشكل حروفه، إلا أن جدّته تجعل منه خطاً حراً يمكن للخطاطين الآخرين أن يتجرؤوا على الخروج عن قواعده، خاصة إذا كان الفنان شوكت نفسه يرى أن المضمون يفرض تكوينه الشكلي الخاص، وهو ما حاول إبرازه في هذه اللوحة.

ولقناعته بالعلاقة الوثيقة بين الشكل والمضمون في فن الخط العربي؛ يحرص شوكت على اختيار مضامين لوحاته بدقة فائقة، مثل اختياره في هذه اللوحة لمقطع: «كلُّ أرض تُنبتِ الحُب وطن» للشاعر الإيطالي غابرييل دانونزيو، فهو مقطع جميل وصادق، يعكس علاقة الإنسان بالبلاد التي تقدم له الحب والخير؛ إذ يرتبط بها كما لا يرتبط بغيرها، ويمنحها من الحبّ والعشق ما تمنحه من الرعاية والألفة، ردّاً للجميل واعترافاً به؛ لأن زراعتها للحنان والعطف على الإنسان - بغض النظر عن المكان الذي جاء منه والأصول التي ينحدر منها - هي التي تُنبت ذلك الحب في القلوب حتى تصير تلك البلاد وطناً لكل من تحتضنه.

* احتضان

خط الفنان شوكت نص هذه اللوحة بأسلوب الوسام بشكله الجميل المتماوج، لتظهر بهيئة القلب النابض الذي تتفرع منه شرايينه، وبشكل الأرض في استدارتها، فكتب «كل» بشكل أنيق مع تدوير اللام التي كتب داخلها بدايات كل حروف كلمة «أرض»، وبداية كلمة «تنبت» ولام كلمة «الحب»، لتوحي تلك الاستدارة بشكل الأرض أيضاً؛ لأن «كل» هنا شاملة لكل أرض تنبت الحب، كما تعمّد كتابة «الأرض» و«تنبت» في الأسفل للإشارة إلى حمل هذه الأرض للإنسان الذي يعيش فيها وتحمّلها له وإنباتها للحب في قلبه، فيما كتب كلمة «الحب» و«الوطن» في الأعلى، واضعاً كلمة «وطن» في حضن كلمة «الحب»، تعبيراً عن شدّة الارتباط العاطفي بين الإنسان المُحتضَن والبلاد المُحتضِنة له، وقد برزت المميزات التجديدية لخط الوسام في بعض اللمسات، مثل طريقة كتابة حرف الكاف، وتاء «تنبت» المنفردة، وتعريف كلمة «الحب».

حرص وسام شوكت على الضبط التشكيلي لهذه اللوحة لتعبر عن مضمونها، فإضافة إلى أشكال الحروف والكلمات، والشكل العام للنص، اختار لخطها اللون البني الذي يعبّر عن شدة العاطفة والارتباط، واختار لخلفيتها اللون البرتقالي الفاتح الذي يرمز إلى الانتعاش والحيوية، وهي اختيارات توحي بما يعكسه هذا النص الشعري الأثير، ليمكنه كل ذلك من تقديم تحفة فنية رائعة، أظهرت جمالية هذا الأسلوب الخطي المبتكر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/kw3x265j

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"