شعر الزوجات الخفيفات مثل الورد

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

يعطينا محمد عضيمة، شرحاً واضحاً لا التباس فيه ولا تعقيد، بخصوص معنى قصيدة «الهايكو» في التراث الثقافي الياباني، وهي القصيدة التي شغلت العالم، وقلّدها شعراء أوروبيون وعرب، ولكن لا أحد منهم كتب «الهايكو» في ضوء تعريفه الذي قرّبه لنا عضيمة في الكتاب الذي نقله إلى العربية «كتاب الهايكو الياباني»، وهو يقول باختصار، كما هي أصلاً مختصرة قصيدة «الهايكو»، إنه شعر لا مجازات فيه ولا استعارة.

«الهايكو» قصيدة كما هي المعنى الظاهر فيها هو المعنى نفسه، ولا يوجد فيها معنى غير معناها الظاهر، وهي قصيدة، مسلّية، طرائفية، خفيفة، وممتعة ولا تعني أبعد مما تقول، وشاعر «الهايكو» يقول ما يريد قوله بأقصر وأسرع صيغة ممكنة، ألهذه التعريفات التي تقول كلها إن «الهايكو» قصيدة بذاتها، إن أمكن القول من جانبي على الأقل.

لا يستطيع العربي وغير العربي أن يكتب «هايكو يابانياً» ربما، ولكن هنا في هذه المقالة إنما أشير إلى ظاهرة واحدة بعينها توصلت إليها من خلال قراءة «كتاب الهايكو الياباني» وهي ولع الشعراء الهايكويين بالحديث عن زوجاتهم.

كأن شعر «الهايكو» هو شعر الزوجات الخفيفات، هن أيضاً كما هو الحال في تعريف هذا الشعر الذي يقوم على عروض خاصة به، ولا يكتب هكذا جزافاً أو بلا نظام. المرأة اليابانية أيضاً منظّمة وملمومة، تماماً مثل القصيدة التي يكتبها زوجها بالطريقة التي يكتب بها عن وردة أو نحلة.

شاعر «الهايكو»، في سطور قليلة، بوسعه أن يجعل من السنونو طائراً قادراً على محو قوس قزح. أعجوبة، وما أكثر الأعاجيب الشعرية التي تحيط بَحَيوات زوجات يشبهن الماء والبرقوق، ومرة ثانية، من دون مجازات ولا استعارات، تماماً كالزوجة تلك التي لا تنشغل كثيراً بوضع استعارات تزيينية على وجهها أو على ثيابها؛ فهي مثل قصيدة زوجها، تشبه الليمونة، طريفة ومسلية.

من شاعر يقول إن بدنه قد اقشعر حين دعس على مشط زوجته الراحلة في غرفة النوم، إلى شاعر يقول إن زوجته تغتسل في ليلة رأس السنة كما لو أنها أوزّة بيضاء، إلى شاعر ثالث يقول إن زوجته قد احمرّ وجهها مثل التفاحة «حتى لم يعد هناك مطرح يدخل فيه حد السكين».

يلاحظ القارئ لهذا الكتاب أن الأب يكاد يغيب عن هذه الاحتفالية الهايكوية، وذلك، بالطبع لا يعود في رأيي إلى النكران أو التجاهل، فالأخت أو الشقيقة هي الأخرى لا حضور لها كما هو الحضور الإنساني العاطفي الغزير للزوجة، هذه المرأة الرفيقة، والملازمة للرجل، وهو هنا «الشاعر»، شاعر «الهايكو» الذي يرى في زوجته امتداداً طبيعياً لصورة الشجرة أو الينبوع أو العصفور أو الفراشة أو التفاحة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/44zyc55d

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"