شعراء حزيران

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

المقصود بشعراء حزيران، وهو توصيف اجتهادي لا أكثر، هم أولئك الشعراء الفلسطينيون والعرب الذين كتبوا شعراً جاء ردة فعل على نكسة حزيران عام 1967. وهناك من يرفض وصف نكسة لما في الكلمة من دلالات اليأس والهزيمة والانكسار، وهنا جاء شعراء حزيران ليكتبوا قصائد ملفوفة بورق الأمل، فهم رفضوا حتى مفهوم الهزيمة برمّته، واعتبروا النكسة دافعاً إلى التفاؤل بمستقبل ينتصر فيه الإنسان على إحباطه، وينطلق إلى الأمام عشر خطوات مثلما كتب توفيق زيّاد (1929-1994)، غير أن هذا الشهر الحزيراني حين تقرأه الآن (تفقع) من الضحك؛ لكثرة ما كان شعر أمل قائماً على الوهم، وخداع النفس.. خذ مثلاً هذا المقطع من قصيدة لتوفيق زيّاد: كبوةٌ هذي (يقصد نكسة حزيران).. وكم يحدث أن يكبو الهمام. إنها للخلف كانت خطوة من أجل عشر للأمام.

لو بقي توفيق زيّاد على قيد الحياة إلى اليوم، لكان في التسعين من عمره، ويا ليت نبوءته كانت صحيحة في مسألة الخطوات العشر تلك إلى الأمام، فهي في حقيقتها الآن عشر أو عشرون خطوة إلى الخلف، وسوف يكتشف زيّاد وهو كهل تسعيني أنه كان يكتب شعراً مبنياً على عاطفة شابة مسكونة بالأمل، غير أن الأمل ليس خبزاً، وليس حقيقة في الكثير من الأحيان إلا حين يدوّره الشاعر إلى قصيدة. لا بدّ أن شاعراً إنسانياً مثل توفيق زياد كان ليشعر بمرارة ما بعدها مرارة، وهو يرى أن خطوات الأمل تلك كانت تتجه به إلى الخلف لا إلى الأمام، أما الحقائق الموضوعية الواقعية لمثل هذا الرأي فهي موجودة على الأرض.. تلك الأرض التي عليها ما يستحق الحياة كما قال محمود درويش.

سميح القاسم، أحد شعراء حزيران هو الآخر لو كان على قيد الحياة، لكان مكتهلاً أيضاً في الثمانين، ولا أدري ماذا سيكون موقفه الآن من قصيدة حزيرانية يقول فيها: «يذكر القارئ أو لا يذكر القارئ.. لكني لكي يفهم كل الناس ما قلتُ أعيد نحن في الخامس من حزيران وُلدنا من جديد».

الآن، وعلى الأرض التي تستحق الحياة، أرض الشعراء والشهداء والرماد، يا تُرى ما هذه الولادة الجديدة بعد الخامس من حزيران؟ هكذا أتخيل سميح القاسم يسأل نفسه، أو يسأل خيال الوهم في القصيدة.

لا، يا إخوتي الشعراء، الأحياء منهم والموتى، الحزيرانيون منهم والتمّوزيون، المتشائمون والمتفائلون. ما كان الأمر عشر خطوات إلى الأمام، وما كان الأمر ولادة جديدة، بل كان من السيئ إلى الأسوأ، من الوهم إلى الحقيقة. ويا ليت نبوءات كل عرّافي الشعر صدقت.

مات الشعراء قبل أن يروا أرذل أعمارهم، وقبل أن يعرفوا ما معنى خيبة الأمل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4kybmp63

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"