عادي
التضخم وسياسات أحزاب الخضر وتوسع «الاتحاد» وراء صعوده الانتخابي

اليمين المتطرف.. زلزال سياسي يهدد أوروبا

00:01 صباحا
قراءة 8 دقائق
أورسولا فان ديرلاين تلوح بعلامات النصر بعد فوز حزب الشعب الأوروبي ب186 مقعداً
زعماء اليمين الشعبوي في أوروبا في مقدمتهم مارين لوبن وماثيو سالفيني «صورة رئيسية»
مبنى البرلمان الأوروبي في ستراسبورج في فرنسا «صورة 2»

د. أيمن سمير

لاشك أن فوز «اليمين الشعبوي» بعدد مقاعد غير مسبوق في انتخابات البرلمان الأوروبي يشكل «زلزالاً سياسياً» سوف تكون له ارتدادات أبعد بكثير من حل البرلمان في فرنسا وبلجيكا، لكن المدقق في «الصورة الكلية» لصعود هذه الأحزاب، والتي يطلق عليها «اليمين المتطرف» في الانتخابات - التي جرت بين 6 و9 من شهر يونيو الجاري-، سوف يتأكد له أن الصورة «ليست ضبابية بالكامل»، وأن ما جرى يمكن احتواؤه بشرط أن يكون هناك تحرك نوعي وغير كلاسيكي من الأحزاب التقليدية التي سيطرت على المشهد الأوروبي منذ نهايات الحرب العالمية الثانية.

الفشل في بناء رؤية سياسية جديدة ومبتكره «لأحزاب الوسط» الأوربية سوف يكون بمثابة استسلام للتطرف والكراهية والانعزالية وبناء الأسوار بدلاً من السياسة التي قامت عليها أوروبا على مدار 8 عقود كاملة، والتي كانت ترتكز على التعايش، وقبول الآخر، والترحيب بالمهاجرين، ونصرة المظلومين، وهذه المهام الثقيلة تقع على عاتق الأحزاب الكبيرة التي شكلت على الدوام أعمدة السياسة الأوروبية مثل «الحزب الاشتراكي الاجتماعي الألماني» وهو أكبر حزب في أوروبا، وهو أيضاً أكثر الأحزاب الأوروبية التي خسرت في انتخابات الشهر الجاري بعد أن جاء في المرتبة الثالثة بنحو 14 % فقط بعد «الحزب الاتحادي الألماني» الذي حصل على 29.5 %، وحزب «البديل من أجل ألمانيا»، الذي يوصف بأنه أكثر الأحزاب تطرفاً في أوربا، والذي حصل على نحو 16% متفوقاً على حزب المستشار أولاف شولتز «الاشتراكي الاجتماعي».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

أيضاً «أحزاب الخضر» التي تتبنّى قضايا بيئية عليها أن «تتسم بالمرونة» قبل فوات الأوان، ولعل خسارة أحزاب الخضر في فرنسا وألمانيا واليونان والنمسا يطرح سؤالاً كبيراً حول أداء وأهداف هذه الأحزاب، فحزب الخضر الألماني الشريك في الائتلاف الحاكم، والذي تقوده وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك خسر 8 نقاط كاملة، وحصل على 12 % بعد أن كان له 20 % في البرلمان الأوروبي لعام 2019، فما هي حقيقية ما جرى في انتخابات البرلمان الأوربي؟ وما هي الأسباب التي أوصلت أوروبا لهذا المنعطف الخطير؟ وكيف يمكن احتواء «اليمين المتطرف» سواء على الساحة الوطنية ل 27 دولة تشكل الاتحاد الأوروبي، أو على مستوى القرار الأوروبي؟

ما هو البرلمان الأوربي؟

رغم أن المفوضية الأوروبية هي التي تضطلع بالجهد الأكبر لعمل الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع المجلس الأوربي إلا أن البرلمان الأوربي الذي يتكون من 720 عضواً في الوقت الحالي - بعد أن كان 705 عقب خروج بريطانيا من الاتحاد -، يلعب دوراً كبيراً في التعبير عن الرأي العام السائد في 27 دولة بها نحو 380 مليون ناخب، ويستمد قوته من انتخاب أعضائه بالاقتراع الحر المباشر، وظهرت فكرة البرلمان الأوروبي بعد معاهدة روما لعام 1957، وكانت أول انتخابات مباشرة للبرلمان الأوربي في يونيو 1979، وله 3 مقارّ في ستراسبورج بفرنسا، وبروكسل في بلجيكا، ويقع مقر أمانته العامة في لوكسمبورج، ويشارك البرلمان الأوربي في اعتماد القوانين التشريعية إلى جانب مجلس الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى انتخابه رئيس المفوضية الأوروبية، ورئيس المجلس الأوروبي، و26 مفوضاً فرعياً.

ماذا جرى ؟

ما تزال أحزاب الوسط تملك 399 مقعداً في البرلمان الأوروبي الجديد بنسبة تصل إلى 57 % من إجمالي المقاعد، لكن أيضاً أقصى اليمين الشعبوي حصل على«عدد تاريخي» من المقاعد خاصة في فرنسا وألمانيا وهولندا وأسبانيا وإيطاليا، وهناك مجموعة من المشاهد باتت تفرض نفسها على البرلمان الأوروبي الجديد ومنها:

أولاً: الأغلبية للوسط

رغم الهلع الذي يسود الأوساط الأوروبية بعد إعلان النتائج إلا أن الحقائق على الأرض تقول إن «أحزاب وتيار الوسط» في أوروبا ما يزال يمسك بزمام الأمر، لأن «حزب الشعب» وهو أكبر «تكتل وسطي» الذي تقوده رئيسة المفوضية الأوروبية أوسولا فان ديرلاين حصل على 186 مقعداً، ويتحالف حزب الشعب مع الاشتراكيين والليبراليين الذين حصلوا أيضاً على 135 مقعداً بعد أن كان لهم في البرلمان المنتهية ولايته 139 مقعداً، بمعنى أنهم خسروا 4 مقاعد فقط، ويتحالف «حزب الشعب» و«الديمقراطيون الاشتراكيون» مع حزب «تجديد أوروبا» الذي حصل على 79 مقعداً فقط، وخسر نحو 23 مقعداً غالبيتهم في فرنسا وألمانيا وهولندا والنمسا وإسبانيا، لكن هذا التحالف الوسطي الثلاثي ما يزال يحتفظ ب399 مقعداً يشكلون «الأغلبية المطلقة» في البرلمان الأوروبي بنسبة تصل لنحو 57%، وهذا «التحالف الوسطي» سوف يعمل على بناء جدار أوروبي قوي ضد المتطرفين كما قالت رئيسة المفوضية الأوربية أورسولا فان ديرلاين.

ثانياً: ترجع أحزاب الخضر

أكثر الأحزاب التي حصلت على مكاسب في برلمان 2019 كانت أحزاب «الخضر» التي تنادي بأجندة خضراء في الاقتصاد والحياة، وكانت تأمل هذه الأحزاب أن تصل أوروبا عام 2040 إلى تخفيض 90 % من الانبعاثات الكربونية، وبعد حصول الخضر على 53 مقعداً وشركائهم اليساريين على 36 مقعداً، ويشكلان معاً تحالف «الخضر - التحالف الأوربي»، بات هذا التحالف في المركز السادس، وخسر 18 مقعداً مما كان لديه في البرلمان المنتهية ولايته، ويحتاج هذا التيار إلى النظر في ذاته، ومعرفة الأسباب التي دفعت الناخبين للابتعاد عنه بعد 5 سنوات فقط من تحقيقه نتائج مبهرة، خاصة أن مؤشرات كثيرة كانت تشير لهذه النتيجة، منها مظاهرات الجرارات الزراعية في غالبية الدول الأوربية التي كانت ترفض وقف استعمال المبيدات الحشرية بنسبة 100 %، بالإضافة إلى تخوف المزارعين الأوروبيين من الإغراق الذي تمثله المنتجات الزراعية الأوكرانية نتيجة لرفع الكثير من الحواجز الجمركية على السلع الزراعية الأوكرانية.

أولاف شولتز المستشار الألماني أكبر الخاسرين في الانتخابات الأوروبية

ثالثاً: صعود اليمين الشعبوي

حصل اليمين الشعبوي على نحو 186 مقعداً تشكل نحو 25 % من إجمالي عدد مقاعد البرلمان الأوروبي، ورغم أن اليمين بعيد من تحقيق الأغلبية المطلقة بما فيها فرنسا وألمانيا إلا أن ما حصل عليه اليمين الشعبوي يجب أن يكون «جرس إنذار» للمؤمنين بالاتحاد الأوروبي، خاصة أن صعود اليمين الشعبوي كان على حساب أحزاب كبيرة في السلطة، فلم يكن أحد يتخيل أن يحصل اليمين المتطرف في فرنسا على نحو 40 % منهم 31.5 % لحزب الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبن، وحصل حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون«النهضة» على 15 % فقط أي أقل من 50 % من المقاعد التي حصل عليها «التجمع الوطني»، ولم يتصور المستشار الألماني أولاف شولتز أن يخسر الائتلاف الثلاثي الذي يقوده، ويطلق عليه تحالف «إشارة مرور»، والذي يضم حزب شولتز «الاشتراكي الديمقراطي» ب14 % فقط، وحزب الخضر الذي حصل على 12 %، والأحرار الليبراليين الذي حصلوا على 6 % فقط، بينما صعد «حزب البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي إلى 16 % ويحتل المركز الثاني بعد «الاتحادي الديمقراطي المسيحي» الذي تنتمي له المستشار السابقة أنجيلا ميركل، ويضم الحزب «الديمقراطي المسيحي» و«الحزب البافاري» وحصلت معاً على 29.5 %.

وكانت إيطاليا من الجبهات القوية التي فاز فيها اليمين الشعبوي بقيادة رئيسية الوزراء جورجيا ميلوني، ونائبها رئيس حزب الليجا «رابطة الشمال» ماثيو سالفيني بعدد غير مسبوق من المقاعد، حيث حصد حزب ميلوني «إخوة ايطاليا» على نحو 29%، وهي نتيجة مذهله بالفعل، لأنها تعني أن ميلوني حصلت على أكثر من 400 % من عدد المقاعد التي كانت لها في برلمان 2019.

ماذا وراء فوز اليمين المتطرف ؟

كثير من المؤشرات كانت تقول إن «اليمين المتطرف» سوف يحصل على نتائج كبيرة في هذه الانتخابات منها استطلاعات الرأي التي كانت تؤكد تقدم حزب الجبهة الوطنية في فرنسا والبديل من أجل ألمانيا على أحزاب الرئيس ماكرون والمستشار شولتز، كما أن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في أسبانيا وهولندا كانت تؤكد اتجاه الشارع الأوروبي ناحية اليمين، وهناك مجموعة من الأسباب الرئيسية أسهمت في هذا التحول في اتجاهات الناخبين الأوربيين ومنها:

1 - التضخم في أوروبا..

من يزُر أوروبا في الوقت الحالي فسوف يسمع شكاوى لا تنتهي من ارتفاع أسعار السلع والخدمات في مرحلة ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وهناك أسباب كثيرة للتضخم منها المشاكل التي ارتبطت بسلاسل الإمداد منذ جائحة كورونا، وفرض الحرب الروسية الأوكرانية تبعات اقتصادية هائلة على الاقتصاديات الأوروبية، فالمفوضية الأوربية أنفقت نحو 700 مليار يورو إضافية لتأمين شراء الغاز والنفط بعيداً عن روسيا، حيث كان الغاز الروسي الذي يصل لأوربا عبر الأنابيب مثل «نورد ستريم 2» أو «خط يامال»، أرخص بكثير من الغاز المسال الذي تشتريه أوروبا من الولايات المتحدة، وهو ما رفع أسعار المنتجات الأوروبية وقلل من تنافسيتها، فضلاً عن إنفاق الدول الأوروبية مليارات اليوروهات على الشؤون الدفاعية بعد أن كانت غالبية هذه الدول تعتمد على الولايات المتحدة في الدفاع عن نفسها، ولعل دولاً كبيرة مثل بولندا وألمانيا وفرنسا والنرويج وهولندا وإسبانيا وإيطاليا بدأت تنفق أموالاً طائلة سواء لتزويد أوكرانيا بالسلاح أو لتعزيز قواتها المسلحة.

2 - برامج أحزاب الخضر..

هناك من يعتقد أن البرامج القاسية التي تسعى إليها أحزاب الخضر وعدم مرونتها الكافية في ظل التداعيات الاقتصادية والسياسية والأمنية على أوروبا دفعت الناخبين للابتعاد ليس فقط عن الخضر بل عن حلفائها الاشتراكيين الاجتماعيين، فعلى سبيل المثال لم تتنازل أنالينا بيربوك عن أي من أجندة حزبها البيئة رغم أزمة الطاقة التي تعرضت لها بلادها بعد وقف تدفق الغاز والنفط والفحم واليورانيوم من روسيا، وأسهم هذا التصلب من وجهة نظر الكثير من الألمان في إنفاق ألمانيا أموالاً طائلة للوفاء بأجندة حزب الخضر الألماني، كما أن التمسك بالتحول نحو الاقتصاد الأخضر في فترة قصيرة تأكد للجميع أنه يحتاج إلى أموال طائلة، وفي النهاية كان له تأثير سلبي على اتجاهات الناخبين الأوروبيين.

3 - تصويت الشباب..

لأول مرة سمح الاتحاد الأوروبي للشباب من سن 16 عاماً بالمشاركة في انتخابات البرلمان الأولى، وكشفت كل استطلاعات الرأي قبل وبعد التصويت انحياز الشباب إلى الأحزاب الشعبوية وهجرة أحزاب الخضر والأحزاب الاشتراكية واليسارية، فعلى سبيل المثال صوّت 11 % فقط لصالح حزب الخضر هذا الشهر في مقابل 35 % من الشباب ما بين 24 و36 عام 2019.

4 - تغييرات جوهرية

أدركت أحزاب اليمين المتطرف ضرورة تغيير أجندتها حتى تواكب متغيرات الناخب الأوروبي، لذلك تركت الأجندة القديمة التي كانت تدعو إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي وبدأت تتبنّى أجندة جديدة تقوم على «إصلاح مؤسسات الاتحاد الأوروبي» حتى يكون أكثر قوة وفاعلية، واستفادت هذه الأحزاب من درس خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي والمشاكل الاقتصادية الهائلة التي عاناها البريطانيون بعد «البريكست».

5 - الهجرة والباب المفتوح..

أكثر الملفات التي راهن عليها اليمين الشعبوي هو إثارة المخاوف بشأن سياسة «الباب المفتوح»، و«التسامح مع المهاجرين غير الشرعيين»، وبهذه الأجندة نجحت جورجيا ميلوني في إيطاليا، ومارين لوبن في فرنسا، ونفس الأمر بالنسبة لحزب «البديل من أجل ألمانيا» وحزب «الحرية» في النمسا «وحزب «فدكس» في المجر، وحزب «فوكس» في أسبانيا.

6 - الدعاية التكنولوجية..

بعد تحليل الأدوات التي أسهمت في توجيه الناخبين تأكد أن وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة «تيك توك» لعبت دوراً غير مسبوق في توجيه حركة الناخبين، وقادت الكثير من التحليلات الأولية إلى نشاط غير مسبوق على منصة تيك توك لزعماء حزب«البديل من أجل ألمانيا» و«حزب الجبهة الوطنية» الفرنسي وحزب« إخوة ايطاليا»، بينما كان هناك تأخير في التركيز على هذه المنصات من جانب أحزاب مثل«النهضة» الذي يقوده الرئيس ماكرون، أو الحزب الاتحادي الاشتراكي الألماني الذي يقوده المستشار أولاف شولتز.

أنالينا بيربوك زعيمة حزب الخضر الألماني التي خسرت 8 % من حصتها في البرلمان الماضي

الخطر ليس وشيكاً:

المؤكد أن صعود اليمين المتطرف سوف يشكل تحدياً كبيراً للدول الأوربية خلال السنوات الخمس القادمة، لكن الثابت أيضاً أن اليمين المتطرف لديه خلافات وصراعات كثيرة لعل أبرزها رفض حزب«رابطة الشمال» بقيادة ماثيو سالفيني، وحزب الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبن،التحالف مع حزب البديل من أجل ألمانيا، كما أن مثل حزب «فيدكس» المجري بقيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان يرفض دخول تحالفات الأحزاب اليمنية المتطرفة، وهو ما يقول إن أوروبا أمامها فرصة لتصحيح فرصها وإعادة البوصلة نحو الوسط من جديد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3kdayzu9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"