مفترق أوروبي حاد

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

يحق للقارة العجوز أن تحبس أنفاسها مع توجه مئات الملايين إلى صناديق الاقتراع لانتخاب 720 نائباً إلى البرلمان الأوروبي في انتخابات تعصف بها أحداث وتطورات غير مسبوقة، وتضع القارة في مفترق أزمات بالغة الخطورة، مع التحولات الجارية على الصعيد الدولي، وأولها تداعيات الحرب في أوكرانيا، والعلاقة المتوترة مع روسيا، والغامضة مع الصين، والقلقة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

قبل توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع، نشطت معاهد سبر الآراء للتكهن المسبق بالمسار المحتمل لنتائج هذه الانتخابات، وتذهب التوقعات إلى حدوث تحول كبير نحو اليمين المتطرف الذي يتغذى على حالة عدم اليقين العالمية والتدهور على المستويين الاقتصادي والاجتماعي في الدول الأوروبية، فهناك تراجع كبير أصاب الصناعة والقطاعات الحيوية الأخرى التي كانت من مصادر الدول الكبرى في القارة على مدار عقود، وسبب ذلك يعود إلى عوامل خارجية أهمها بفعل الطاقة مع روسيا وتأثيرات السياسة الحمائية الأمريكية والغزو الصيني الهائل للأسواق، وكل هذه العوامل أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة وخلق أزمة اقتصادية هيكلية، لم تعد تنفع معها المقاربات التقليدية، التي تتبناها الغالبية الساحقة من النخب الحاكمة التي يتهمها الشعبويون بالفشل والعجز عن مواجهة التحديات التي تكبر وتتسع من عام إلى آخر.

في ضوء هذا الواقع المأزوم سياسياً واقتصادياً، يأتي هذا الاقتراع، وهناك احتمال أن تظهر أكبر كتلة وازنة للشعبويين في البرلمان الأوروبي على حساب أحزاب يسار الوسط، ممن يؤمنون بالتكتل الاتحادي وبتعميق الاندماج بين الدول السبع والعشرين، ويحلمون بأن يكون هذا الاتحاد قطباً عالمياً مستقلاً عن باقي الأقطاب العالمية الأخرى، قبل أن يتبين أن هذا الطموح المتفائل اصطدم في السنوات الأخيرة بمستجدات لم تكن في الحسبان، وتسببت في تصدعات وانقسامات داخل البيت الأوروبي، أخطرها وجود توجهات مناهضة للتكتل وتنادي صراحة بالعودة إلى الدولة القومية، ورفض الانصهار في كيان واحد يتجاوز الخصوصيات إلى ثقافة قائمة على التنوع والتعدد، لأن ذلك لم يعد لغة هذا العصر وفشل نظام العولمة في الثبات أكثر من ثلاثة عقود بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

جميع الظروف الموضوعية والمستجدات الطارئة تجعل من هذه الانتخابات، التي تجري من الخميس إلى الأحد، مختلفة عن سابقاتها من حيث المضامين والأهداف، كما ستكون مختلفة من حيث الشكل، مع إجراء تعديلات على القوانين الانتخابية تسمح برفع نسبة المشاركة إلى حوالي 70 في المائة، ما يؤثر في النتائج، لكنها لن تكون حاسمة إلى درجة ظهور مفاجآت مدوية.

كل المؤشرات تؤكد أن أوروبا تتجه إلى مرحلة تنقسم بين اليمين المتطرف واليسار الراديكالي، وهذا التوجه سيضعف الدور الأوروبي ويخصم من رصيده. وأكبر خطر يتهدده يتمثل في صعود الشعبويين، لأن هذه القوى متفرقة ولا تشكل جبهة واحدة على مستوى القارة، ولا تميل إلى التماسك والتعاون مثل الأحزاب الليبرالية أو يسار الوسط التي رعت فكرة الاتحاد وحرستها عقوداً. وصعود اليمين المتطرف، ولو نسبياً، سيؤثر في المستقبل الأوروبي بدرجة أخطر من السابق، وبفعل عوامل خارجية قد تكون واقعاً بعد أشهر وأهمها عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وانتصار روسيا في حرب أوكرانيا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ybnwevb8

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"