القاهرة: مدحت صفوت
يُنسب للعالم الفيزيائي ألبرت أينشتاين «إذ لم تستطع أن تشرح أمراً ما بسهولة، فحتماً أنت لم تفهمه على نحو جيد»، الأمر الذي إذا سحبناه على الحديث عن الفلسفة، يدفعنا إلى التساؤل: هل الفلاسفة لم يفهموا قضاياهم على نحو جيد وكافٍ؟ خاصة وأن الصورة السائدة عن الفلسفة أنها «صعبة»، ونخبوية، ويقتصر نشاطها على عدد محدود من الناس: إما فلاسفة وإما دارسي الفلسفة، فهل حقاً تبسيط الفلسفة مهمة غير قابلة للتحقق؟
بالطبع، اعتدنا قبول ما لا يمكن تفسيره على أنه لا يمكن تفسيره، لدرجة أننا نتوقف عن محاولة التفسير أو فهمه، الأمر الذي يعني أن التدرب على المهام اليومية والعملية أكثر أهمية، وأكثر راحة، يضاعف من وضعية تجاهل الأمور الفكرية والفلسفية، تلك الصورة النمطية عن الفلسفة وأهلها، الأمر الذي يصل حد تشبيه من يتكلم بخطاب غير مفهوم لمستمعيه بأنه «يتفلسف»، لتبتعد أغلب الجماهير عن العملية الفلسفية، وربما يخاصمها ويعاديها، في الوقت الذي تعيش فيه هذه الجماهير ذاتها عدداً لا نهائي من المواقف التي تتطلب تشبيهات بسيطة.
- أكثر جوهرية
- مفاهيم
وينقسم الكتاب إلى عشرة فصول، خصص كل فصل لمرحلة أو موضوع محدد في دراسة الفلسفة، إذ يبدأ العمل بمقدمة للمفاهيم الأساسية والمجالات الفلسفية، واستكشاف العلاقة بين الفلسفة والعلم، وأهمية التفكير النقدي، وتطبيق الفلسفة في الحياة اليومية. وفي الفصل الثاني، يتعمق القارئ في السياق التاريخي والثقافي لما قبل سقراط، مدركاً أهمية الطبيعة والعلاقة بين الأساطير والدين والفلسفة في ذلك الوقت، كذلك دراسة مفصلة عن سقراط وأفلاطون وأرسطو، متناولاً موضوعات مثل الأخلاق ونظرية الأفكار والعالم الطبيعي.
كما تستعرض فصول الكتاب المدارس الفلسفية الأبيقورية والرواقية، مع التركيز على البحث عن السعادة والسيطرة على العواطف، وتقديم نظرة متعمقة على فكر ديكارت، أبو العقلانية والشك المنهجي، وتحليل أفكار نيتشه، واستكشاف الوجودية عند سارتر وكامو، وتسليط الضوء على مسألة الحرية.
وفي الفصل المخصص للفلسفة الشرقية، يعرض الكتاب المفاهيم الأساسية للبوذية والطاوية والكونفوشيوسية، ويقدم رؤية مقارنة ويحلل أهمية هذه التقاليد في عالم اليوم. وأخيراً، يتناول الفصل الأخير أهمية الفلسفة في السياق المعاصر، ويناقش كيف يمكن للتفكير النقدي والتأملي أن يساهم في فهم وحل التحديات التي تواجهها البشرية.
وحسب عدد من مراجعات الكتاب، فإن «تبسيط الفلسفة» عمل أساسي لكل من يرغب في توسيع آفاقه الفكرية وفهم جذور المعرفة والأفكار التي شكلت الثقافة والفكر الإنساني عبر التاريخ. من خلال نهج متوازن وكتابة جذابة، يقدم الكتاب المفكرين والتيارات الفلسفية بطريقة سياقية، مما يسمح للقارئ بفهم أعمق للموضوعات والمفاهيم التي يتم تناولها.
ومن خلال استكشاف مساهمات الفلاسفة العظماء والتقاليد الفلسفية، فإنه يشجع القارئ على تطوير أفكارهم وأسئلتهم، وتحفيز التفكير النقدي والبحث عن المعرفة. لا يقدم الكتاب نظرة عامة كاملة عن تاريخ الفلسفة فحسب، بل يناقش أيضاً أهمية هذه الأفكار وتطبيقها العملي في عالم اليوم، ويسلط الضوء على أهمية الحوار الفلسفي في بناء مجتمع أكثر عدلاً ووعياً وتوازناً.
- آليات
باستخدام تنسيق أسئلة وأجوبة ومكتوب بأسلوب مسلٍّ وسهل الفهم، تشرح روني الحجج الفلسفية حول أسئلة من قبيل: هل يجب أن آكل اللحوم؟ وهل عقوبة الإعدام خاطئة؟وهل سيجعلك جهاز iPhone الجديد سعيداً؟ وأسئلة تبدو هزلية لكنها تعكس قضايا فلسفية مثل: متى يكون البسكويت ليس بسكويتاً؟ وهل توجد أشباح في الآلات؟ وهل تريد أن تعيش إلى الأبد؟ وهل كل شيء عادل في الحب والحرب؟ وهل يمكننا أن نبني مجتمعاً مثالياً؟ وهل يستطيع الروبوت أن يفكر بنفسه؟
روني التي درست ودرّست الأدب الإنجليزي والفرنسي في العصور الوسطى في جامعتي يورك وكامبريدج، توضح في كتابها الصادر في العام 2019، أن الفلسفة تسعى إلى اكتشاف طبيعة الحقيقة والمعرفة، ويساعدنا التفكير الفلسفي على فهم العالم من حولنا ومعرفة ما نفكر فيه ولماذا، وفي بعض الأحيان، يمكن أن يمكّننا من أن نصبح الأشخاص الذين نأمل أن نكون، من خلال قراءة خفيفة تلقي الضوء على كيفية تعامل «أعظم العقول في العالم» مع الكثير من الأسئلة التي نواجهها يومياً.
الفلسفة لا تشبه أي مجال آخر. إنها فريدة من نوعها سواء في أساليبها أو في طبيعة واتساع نطاق موضوعها. وتسعى إلى طرح أسئلة في كل أبعاد الحياة البشرية، وتنطبق تقنياتها على المشكلات في أي مجال من مجالات الدراسة أو المسعى. ولا يوجد تعريف مختصر يعبر عن ثرائها وتنوعها. يمكن وصفها بطرق عدّة، إنها المفهوم الذي يستعصي على المفهمة، السعي المنطقي للحقائق الأساسية، والبحث عن آليات الفهم، ودراسة مبادئ السلوك، ووضع معايير للأدلة، وتوفير أساليب عقلانية لحل النزاعات، وإنشاء تقنيات لتقييم الأفكار والحجج.
ويمكن توسيع هذا الوصف المختصر للفلسفة على نحو كبير، لكن دعونا نوضح بعض النقاط بدلاً من ذلك. باعتبارها الدراسة المنهجية للأفكار والقضايا، قد تدرس الفلسفة المفاهيم ووجهات النظر المستمدة من العلم أو الفن أو الدين أو السياسة أو أي مجال آخر. ويأخذ التقييم الفلسفي للأفكار والقضايا أشكالاً متنوعة ومتعددة، لكن الدراسات الفلسفية غالباً ما تركز على معنى الفكرة. وعلى أساسها تماسكها، وعلاقاتها بالأفكار الأخرى.
- رؤية العالم
في إطار استهدافها نشر الفلسفة، يطالبنا التقرير، أن ننظر، على سبيل المثال، إلى الديمقراطية. ما هي؟ ما الذي تبرره كنظام حكم؟ هل يمكن للديمقراطية أن تسمح للناس بالتصويت على حقوقهم؟ وما علاقتها بالحرية السياسية والنظر في المعرفة البشرية؟ وما هي طبيعتها ومداها؟ هل يجب أن يكون لدينا دائماً دليل حتى نعرف؟ ماذا يمكننا أن نعرف عن أفكار ومشاعر الآخرين، أو عن المستقبل؟ ما هو نوع المعرفة الأساسية إن وجدت؟ تنشأ أنواع مماثلة من الأسئلة فيما يتعلق بالفن، والأخلاق، والدين، والعلم، وكل مجال من المجالات الرئيسية للنشاط البشري. أي أن الفلسفة تستكشف كل منها، وتعلمنا أن ننظر إليها على نحو مجهري ومن منظور واسع للاهتمامات الأكبر للوجود الإنساني.
وتتوقف تقارير الكلية الأمريكية أمام اشتغالات الفلسفة في الحقول غير الأكاديمية، حتى لا تزال حبيسة أسوار الجامعات والمنابر المختصة، كذلك حتى لا تحتكرها ثلة قليلة من المتخصصين، والذين جنوا عليها بفصلها عن الواقع، وحولوها إلى أفكار «صعبة» و«معقدة».
- منهج مكتوب
وطبقاً للباحثة كارين موريس، يتألف منهج الفلسفة للأطفال P4C من ثماني روايات فلسفية، جرى تأليفها بشكل مخصص، بالإضافة إلى دليل معلم مصاحب لكل رواية. تستهدف كل رواية من الروايات الثماني فئة عمرية مختلفة، وتُدخل الأطفال واليافعين في حوار حول الأبعاد الفلسفية لتجاربهم وتتضمن المفاهيم المجردة التي تعتبر معتادة في أعمال الفلاسفة الكبار. كما صُمّم دليل المعلم «ليحافظ على الزخم التساؤلي الذي حفّزته الرواية أولياً»، بجانب أنه يحتوي على مجموعة كبيرة من التمارين، والألعاب، وخطط المناقشة.
وبعد مرور نحو 6 عقود، على تصور ليبمان الذي بدأه وقت أن كان يدرس الفلسفة بجامعة كولومبيا في نيويورك، وتطور فيما بعد لمعهد ليبمان لفلسفة الأطفال، يمكن أن نعيد النظر في السياقات التي نشأ فيها مصطلح «فلسفة الأطفال»، إذ ولد وقت صراع اجتماعي عندما بدا أن المعقولية بكل معنى الكلمة غير متوفرة، في ذلك الوقت، ووسط اهتمام متزايد ببرامج التعليم لتطوير «مهارات التفكير» والشعور بأن الناس يجب أن يكونوا قادرين على التفكير بأنفسهم في مواجهة القيم والسلطات والحلول المتنافسة. وكان التربويون الأمريكيون، في الستينات، يشعرون بالقلق من أن المدارس كانت تحول التلاميذ إلى متعلمين سلبيين يتوقعون أن يقال لهم ما يفكرون فيه، كما يخشون من أن المدارس لا تقدم إعداداً جيداً لمزيد من التعلم وللحياة نفسها.