عادي
في شاعرية البصر

خط التعليق.. بهجة العين

13:20 مساء
قراءة 3 دقائق
مأمون يغمور مع اللوحة

الشارقة: جاكاتي الشيخ

يعد الخطاط السوري مأمون يغمور، أحد الخطاطين المعاصرين البارزين، حيث يتمتع بتجربة لافتة لها أثر في الساحة الفنية العربية، أهلّته للفوز بجوائز عدة والتكريم في محافل عدة.

نختار من بين أعمال يغمور، لوحة من خط جلي التعليق، وهو أسلوب يتميز بأنه خال من التشكيل والتزيين إلا حين تدعو الضرورة إليهما، حيث تنساب حروفه برقة وسلاسة، وتمتاز بالدقة والامتداد، كما يمتاز هذا الخط بسهولته ووضوحه وخلوه من التقعيد، وهو ما جعله ملائماً لطريقة كتابة لغات جنوب شرق آسيا الهندية والباكستانية والأفغانية والإيرانية، حتى اشتهرت به وسمي عندهم بالنستعليق، وبرز منهم فيه خطاطون أفذاذ، مثل مير علي والتبريزي وعماد الحسني.

لقد منحت السرر والزوايا والأشرطة الزخرفية الملونة، التي نفذها كبار المزخرفين لخط التعليق جمالاً وبهجة، كما أن التطور الحضاري الذي أسهم بتقديم ورق ملون ومموه ومشجر، فتح آفاقاً جديدة للخطاطين الفنانين، مكنتهم من استعماله كأرضيات جميلة تربعت على صفحاتها أجمل اللوحات في هذا النوع من الخط وغيره، فأضافت إلى اللوحات ضياءً وإشراقاً مُتجدّدين.

إن اللوحة التي بين أيدينا تركيب لخط التعليق الجلي لنص الآية الكريمة: «أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ»، وقد اشتغل فيها يغمور على تجسيد المعنى الدلالي للآية، فالله جل جلاله أحكم الحاكمين قضاءً وعدلاً بين الناس بالحق، وإتقاناً للخلق، وأحكم هنا اسم تفضيل لله جل وعَلا، الذي أحسن صنعاً في كل ما خلق، فالإحكام المطلق في الصنع والتدبير من خالق الحاكمين، ومفرد الحاكمين «الحَكَم» من أسماء الله الحسنى، والاستفهام في الآية استفهام تقريري يتحدى الله به كل المخلوقات إثباتاً للربوبية وتحقيقاً للإيمان بقدرته على كل شيء، وتأكيداً لعدل حُكمه المتأتي من الحكمة.

  • تجسيد دلالي

لقد أبدع يغمور، في التجسيد الدلالي للآية بلوحته الخطية، من خلال توزيع كلماتها بما يحقق للشكل التوازن والاستقرار، فخصص للفظ الجلالة «الله» موقعاً مناسباً ومساحة مستقلة ناصعة، تجعل المشاهد للوحة مشدوداً إليه منذ البداية، فهو الأحكم في العدل والأحكم في الصنع الجمالي «الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ»، ليعقبه تسلسل كلمات الآية بتعاقب مدروس في النموذج، ودقيق في رسم الحروف بقواعدها السليمة وحسن معالجة الفراغات، واللون الأحمر الذي اصطبغ به النص، فجاءت «أليس» كقاعدة حاملة لكلمات الآية، لأنها أولى كلماتها، وملأ الفراغ المترتب على مد السين ثلاث نقاط أسفلها، جعلها مقلوبة حتى لا يلتبس نطق الكلمة على المُطّلع، وأتبعها ب«بأحكم» مستغلاً حضن حرف السين لكتابة «بأ»، وماداً حرف الحاء ليمنح الشكل أريحية بصرية، ثم جعل «الحاكمين» مستقلة في جانب خاص من اللوحة مُبرزاً مَدّ مقطع «الحا» بجعله حاملاً للمقطع المتبقي من الكلمة.

اعتمد الخطاط على اختياره لنوع من الورق المموه بألوان جميلة وهادئة منحت اللوحة بهجة، من دون التأثير على الشكل الأساسي، وهذه الحالة الفنية وغيرها من الحالات المشابهة هي التي تدفع بالخطاطين إلى التجديد والإبداع، وتوسع مساحة استقطابهم لأنماط خطية تشكيلية معاصرة، لتقديم أجمل ما تجود به عبقرياتهم في هذا المجال.

نجح يغمور، في هذه اللوحة بالاستفادة من الخصائص المميزة لخط التعليق، وما يمنحه من حرية فنية، تميل باللوحة إلى أن تبدو لوحة تشكيلية تنبض فيها الحروف بالحياة، محققاً أهم خصائص التركيب المتمثلة في تراكب الحروف والكلمات بعضها فوق بعض لتشكيل جماليات لافتة، كما استفاد من خبرته الطويلة في مختلف الخطوط الأخرى، ما مكنه من تقديم عمل فني مميز، ومطبوع بميسم جمالي خاص، أضفى عليه رونقاً وإشراقاً جليّاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/46tjcn24

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"