عادي
في شاعرية البصر

الحرف العربي يشع بضياء الحب

15:38 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ
يعد الخطاطان التركيان عثمان محمود أوزجاي وشقيقه الأكبر محمد أوزجاي من أهم المبدعين المعاصرين في فن الخط العربي، وقد استطاع عثمان أوزجاي بشكل أخص أن يكون واحداً من المتخصصين في خط الثلث، حيث شرع في كتابته منذ صغره، مستفيداً من خبرة شقيقه الأكبر وغيره من كبار الخطاطين والنقاد الفنيين في تركيا، ولعل النموذج الذي نتناول هنا يقدم صورة عن القدرة الإبداعية لهذا الخطاط المبدع.

عثمان أوزجاي


أعجب عثمان أوزجاي بأسلوب خط الثلث، وتعمق في تعلّمه ودراسته، من خلال الاطلاع على ما استطاع من أروع اللوحات المخطوطة به، والاستفادة من نصائح وتنظيرات أبرز المتخصصين في فن الخط العربي، حتى تمكن من الحصول على خبرة فنية كبيرة، جعلته يبدع ويصير واحداً من أكثر المشتغلين في الخط العربي إبداعا لخط الثلث، والثلث الجلي، ليفوز بالعديد من الجوائز ويصير ضيفاً دائماً على أهم التظاهرات المتعلقة بالخط العربي في جميع أنحاء العالم.

  • * ملكة خاصة

استطاع عثمان طوال مسيرته أن يتفرد بموهبة فنية لافتة في صياغة التراكيب الخطية، حيث تمتاز حركة مقاطعه بسلاسة عند تشابكها، كما يحرص على أن تكون حروفه بارزة وعريضة، وهو ما يسعى من خلاله إلى وضع بصمة خاصة تميز أعماله عن الأعمال الشبيهة بها، وخاصة أعمال بعض أساتذته الذين كان لهم أثر كبير في تشكل ملامح تجربته الفنية.
وكما هو معهود لديه فقد خط عثمان هذه اللوحة بخط الثلث، والذي يعتبر من أصعب الخطوط العربية من حيث القواعد والموازين، إلا أن الاشتغال الحثيث لعثمان طوال مسيرته على التفنن فيه، جعله يتقنه بشكل كبير، فهو خط يمتاز بالمرونة ومتانة التركيب وبراعة التأليف، ولكنه يحتاج إلى خطاط ماهر وصبور، وذي رؤية فنية ثاقبة، فلا يكفي أن يخط به ما يريد، إذ قد يكرر غيره، ولكن عليه أن يحاول ترك بصمته الخاصة التي تجعل من عمله الفني إضافة جمالية حقيقية، وهو وما وفق فيه عثمان.

  • * حالة حب

اختار عثمان في هذه اللوحة جزءاً من البيت الشهير للشاعر العباسي محمود الوراق، الذي يقول: أَلَم تَعلَم فِداكَ أَبي وَأُمّي بِأَنَّ الحُبَّ مِن شِيَمِ الكِرامِ، حيث كان الجزء المختار: «الحب من شيم الكرام»، وهو اختيار ينم عن معرفة عميقة بالدلالة المعنوية لهذا المقطع الجميل، فالحب من أسمى القيم الإنسانية وهو من شيم كرام النفوس، وهم صفوة الصفوة من ذوي القلوب الإنسانية الراقية، الذين إن سكنهم الحب لا يشغلهم سواه، وقد لا يكون الحب حباً آدمياً فحسب، بل قد يتجاوز ذلك إلى حب الذات الإلهية، كما لدى الصوفية، ولا شك أن عثمان الذي ولد وعاش في بيئة صوفية يعيش ذلك الحب، ويعرف حلاوته وطراوة قلوب المنشغلين به، فأراد أن يعبر من خلال هذه اللوحة عن تلك الحالة.
كتب عثمان كلمة «الحب» بالمداد الأسود وبشكل بارز، متعمداً اختيار هذا اللون الذي أراد منه هنا دلالته الإيجابية، تعبيراً عن أن اللوحة لوحة حب، وعن عظم شأن هذه القيمة الإنسانية السامية، وحرص على أن يحيطها بالحركات والشدات بشكل خفيف، ليمزج بين الثلث والثلث الجلي، في ما خط بقية المقطع «من شيم الكرام» باللون البني تعبيراً عن ارتباط الحب بالكرام، وجمعه بتركيب منمنم بالحركات وبعض الزخارف ليعطيه طابع الثلث الجلي، وليحقق بذلك المزج بين الثلث والثلث الجلي مع تركيب لا تخطئه العين، وهو عمل يدل على استيعاب عثمان لمعاني هذا المقطع الشعري، حيث تمكن من خلال اللوحة من الموافقة بين الشكل والمضمون، فترك للحب مساحة خاصة في اللوحة وجمع بقية المقطع ليتشكل فهم معناه لدى المتلقي، مستنطقاً العمق الدلالي الذي جعل هذا الفنان يحيي هذا البيت الشعري القديم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr4cz6nm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"