ما أحوج العالم إلى التسامح

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

لا يختلف رأيان في أن عالمنا يمر بمرحلة انتقالية صعبة تحيط بها تحديات مصيرية من كل جانب: صراعات وحروب وانقسامات وتغيرات مناخية وأزمات اقتصادية ومجاعات وأوبئة، تجعل كلها من المستقبل مجهولاً، ما لم تتوحد المواقف والرؤى وتسود الحكمة والعقلانية تجنباً لما هو أسوأ.

دولة الإمارات، باعتبارها جزءاً من هذا العالم، وواحدة من القوى الإيجابية التي تسعى إلى مواجهة كل النزعات السلبية المهددة للأمن والاستقرار بمفهومها الشامل، تحرص في كل مرة على التذكير بما ينفع البشرية في المرحلة الدقيقة، عبر مد جسور التعاون والحوار، ونبذ العنف وخطابات الكراهية. وقد كان اللقاء الذي جمع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، مع الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، مناسبة أخرى أكد فيها سموه ضرورة ترسيخ القيم الإنسانية المشتركة، مشيداً، في هذا السياق، بالجهود التي يبذلها الإمام الأكبر في نشر رسالة التسامح والتعايش الإنساني وتعزيز ثقافة احترام الآخر. وهي مبادئ سامية تتمسك بها الإمارات وتعمل على تزكيتها في كل المحافل الدولية، ضمن سياسة تؤمن إيماناً قطعياً بأن تأصيل ثقافة التعايش والحوار الحضاري والسلم بين مختلف الثقافات والشعوب، أفضل رد على الأزمات المتلاحقة من شرق هذا العالم إلى غربه، وصمام الأمان الذي يجب التمسك به من أجل تجاوز هذه المرحلة الحرجة.

عالم اليوم أحوج من أي وقت مضى إلى نبذ خلافاته وصراعاته، والتمسك بقيم التعاون والتسامح والإخاء الإنساني، ولكن ذلك أيضاً يقتضي تحقيق العدالة ومواجهة الظلم والتعدي نصرة للمظلومين، وفق ما تفرضه الأخلاق والتعاليم السمحة. ولعل ما يعيشه الشعب الفلسطيني الشقيق من حرب إبادة غير مسبوقة، وتنكر غير مبرر لحقوقه المشروعة، واحدة من المظالم التي تطرح أسئلة مؤلمة على كل ضمير حي، فلا يُعقل أن يستمر هذا العدوان الهمجي أكثر من تسعة أشهر، بينما الفاعلون في المجتمع الدولي يبدون عاجزين أو يتصنعون العجز لمنع استمرار الجرائم ومحاسبة المجرمين، فمعايير العدالة لا تقبل التجزئة أو التمييز، والإفلات من المحاسبة لا يشجع على بناء مجتمع دولي مستقر يكتنفه السلام ويسوده القانون.

ما يشهده العالم من صراعات ينبئ بأن وضعاً خطيراً يتشكل في الأفق، مع انتشار عوامل عدم الاستقرار التي باتت تنتقل كالعدوى من إقليم إلى آخر، وتنذر بمزيد من تدهور العلاقات الدولية والأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما تمّ التحذير منه على مدى السنوات الماضية، وقد كان ذلك عند اندلاع الأزمة الأوكرانية، ثم مع الحرب الإسرائيلية على غزة وما فرضته من مخاطر اتساع الصراع إلى أبعد من حدود إقليم الشرق الأوسط، بالنظر إلى تلازم الأزمات العالمية وتقاطعها في سياق التحالفات والأقطاب القائمة بحكم الأمر الواقع.

الأوضاع الراهنة تستدعي الحكمة والتهدئة. والعالم، الذي يمر بأسوأ الظروف منذ عقود، بحاجة إلى التسامح والتآخي والتمسك بالقيم السامية والمبادئ الإنسانية ونصرة الحق والعدالة. هذا هو الحل الوحيد لإعادة الأمل إلى البشرية، أما الانجرار وراء الصراعات فلن يجلب خيراً، وسيعود على الجميع بويلات لن تندمل في مقبل العهود.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrfeyc7y

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"