عادي
صدر في الشارقة

«أحلام حقبة الحرب».. السيرة الذاتية ترياق النسيان

01:52 صباحا
قراءة 5 دقائق
نغوغي وا. ثيونغو

الشارقة: علاء الدين محمود

كتاب «أحلام في حقبة الحرب»، للكاتب الكيني نغوغي وا. ثيونغو، الذي صدر في نسخته العربية عن دار روايات، في طبعته الأولى عام 2023، بترجمة: ريوف خالد، هو عبارة عن مذكرات تحمل جوانب من قصة حياة هذا الكاتب الشهير الذي انتشرت مؤلفاته في كل العالم، إذ أصبح صاحب بصمة أدبية كبيرة، وفي هذا الكتاب يركز وا. ثيونغو على ذكرياته أيام الطفولة التي عاشها في أزمنة حرب عاصفة نتيجة المقاومة، والنضال ضد الاحتلال الإنجليزي، ويتنقل بذاكرته نحو مواقف ومنعطفات كان لها الأثر الكبير في حياته، تلك التي جمعها عبر هذه التداعيات الآسرة.

أجمل ما في سيرة وا. ثيونغو، هو اللغة الباذخة التي تقترب من الشعر، وتتوشح بالمفردات الأنيقة، غير أن الرجل لا يكتفي بتلك السردية اللغوية الشاهقة الجمال، بل يزيد عليها درر المعاني من خلال رؤى فلسفية، وفكرية، إذ إن وا. ثيونغو، لا يمارس فعل التداعي فقط، بل وكذلك التأمل في تلك اللحظات الأولى من مسيرته في الحياة.

مقابلة

لعل اللافت في هذا العمل هو العنوان الذي انتقاه الكاتب بعناية ودقة، فهو يحمل مقابلة بين عالمين، عالم الحرب، حيث الدمار، والنزوح، والبؤس، والفقر، والتشظي، وتفكك الروابط الأسرية بين أفراد تفرقت بهم السبل، فسار كل واحد منهم في اتجاه، وبين عالم الأحلام، فعلى الرغم من المعارك المستعرة، لكن ثمة حلم سكن في أعماق ذلك الطفل الصغير، تسرب إليه وسط زخات الرصاص، ودوي المدافع، وشدة القصف، ذلك الحلم هو أن يصبح وا. ثيونغو الطفل شخصاً مختلفاً عندما يكبر، لا علاقة له بالواقع الحالي، بل متسلحاً بالعلم والمعارف في مواجهة الحياة.

حرب ثقافية

وتقدم الطبعة العربية لدار روايات إضاءة عن عوالم الكتاب عبر هذا المقطع: «يمنحنا نغوغي وا. ثيونغو، في سيرة طفولته (أحلام في حقبة حرب)، لمحة مستفيضة عن طفولته التي قضاها بين إخوة كثيرين، وأب له أربع زوجات، أثْرَين خياله بالحكايات، والقصصن والمواقف. إذ بعد أن كُنّ يعِشْن حياة من التعاون والتفاهم، تنْفَق مواشي الأب التي كانت عماد تجارته، ليتلبّس بعدئذ شخصيّة أخرى عنيفة، وصعبة، دفعت والدة وا.ثيونغو إلى الهرب إلى بيت والدها، ليُطرد بعدها وا. ثيونغو وأخيه من البيت. حدث ذلك في وقت كان فيه الشعب الكيني يقاوم المستعمر البريطاني، الذي لم يتوان عن استخدام أي سلاح، بخاصّة التعليم، للقضاء على اعتداد الشعب الكيني بثقافته، ومقاومته له، حدّ إعلان حالة الطوارئ في البلاد منذ 1952 إلى 1959 لتحقيق هذا الغرض. نتعرّف مع ثيونغو إلى قيمة المعرفة التي ضنّ بها الاستعمار على شعب كينيا، ويُطلعنا على نشأة التعليم النظامي، والمدارس المستقلّة -المتمرّدة- في كينيا. لقد كان حلمه، والذي وعد به والدته، ألا يوفّر جهداً لتحقيقه، هو أن يتعلّم.، وتأتي مذكرات الطفولة هذه بمثابة شهادة للدفاع عن حقّه في أن يحلم، على الأقل، رغم كل الصعوبات، ودور والدته الكبير في حياته حتى أصبح يُعدّ من بين أكبر كتّاب إفريقيا على مستوى العالم».

الكولونيالية

الكتاب يعد وثيقة أدبية شديدة الأهمية، فعبره يتعرف القارئ إلى الواقع الاجتماعي الذي ساد في معظم المجتمعات الإفريقية في ظل الهيمنة الكولونيالية، مع التركيز على واقع بلاده، فبعد أن تحوّلت كينيا إلى دولة مستعمرة في 1895، تركت الدولة الاستعماريّة التعليم في يد البعثات البروتستانتية، والبعثة الرومانية الكاثوليكيّة، وكان من ضمنها جمعيّة الكنيسة التبشيريّة المؤسسة عام 1799. يقول الكاتب: «ارتكب كل حاكم استعماري، منذ إليوت في 1902 وحتى ميتشل في 1944، جرائمَ عدة ضدنا... لكن هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها أحدهم الحرب على الشعب الكيني خلال أيام من وصوله. بالطبع، تلقّى الحاكم بارنغ الأوامر من قائده في لندن، تشرتشل نفسه، الذي كان في المحصلة رئيس وزراء. هل ترون السخرية؟ ساعده رجالنا على محاربة هتلر، وهكذا يرد لنا الجميل؟»، ولعل أصعب فكرة في أن يتحول التعليم إلى البعثات التبشيرية، هي أن ذلك يعني أن الدخول إلى ذلك «التعليم»، يمر عبر بوابة التنصير الذي يصبح ضرورة لكي ينال أي طفل قدراً من المعارف، فالمستعمر لا يكتفي بسلبه لأرضك، وخيراتك، بل ويفرض عليك معتقداته الدينية، والثقافية، ولغته، وطريقة عيشه، وتلك لفتة مهمة في الكتاب لكي يتعرف القارئ إلى عمق التحولات التي حدثت لإنسان إفريقيا من تجريف شامل.

أوجاع

وينعطف الكتاب نحو جوانب شديدة القسوة، تفيض بالآلام والأوجاع، عندما يرجع وا. ثيونغو بذاكرته إلى طرده مع والدته وإخوته، من بيت أبيه، لقد اقتلع مثل النبت من التربة، فذلك هو المكان الذي ولد وتربّى فيه، لقد تراكمت في أفقه في تلك اللحظة كل أحزان الدنيا، وأوجاعها، وأخذ يفكر في معاني الأبوة، والأمومة، والأرض، والمنزل، لقد تضاعف لديه الشعور بالغربة، لأنه قد فقد حضن الأسرة، وتولدت لديه العديد من الهواجس التي لازمته في حياته.

استعادة

الكتاب يتوقف عند محطة مهمة في تاريخ وا. ثيونغو، وهي تلك المرحلة التي تم تعميده على الديانة المسيحية باسم «جيمس نغوغي»، ذلك المفروض عليه، تماماً مثل اللغة، والعقيدة، ونمط العيش والحياة، وظل يكتب، في بداية علاقته بالكتابة، مقالات صحفية ونصوصاً إبداعية بذلك الاسم الغريب، حتى حانت لحظة التخلص منه عام 1969؛ أي بعد استقلال بلاده، فقد كانت تلك ضمن معارك التحرر الخاصة به من تركة المستعمر الثقيلة، والتي بدأها بركل ذلك الاسم بعيدا، ليعود إليه اسمه الأصلي نغوغي وا. ثيونغو، تلك الواقعة تشير إلى عمق إحساس الأفارقة بهويتهم، وانتمائهم، وحنينهم الذي لم ينقطع، في زمن الاستعمار، إلى العودة إلى حياتهم الطبيعية التي سلبها منهم المستعمر، الذي أراد لهم أن يعيشوا وفقاً لثقافته، لذلك كانت أولى المعارك في حروب الدول التي احتلت إفريقيا، تلك التي خيضت في ميدان الثقافة، حينما ظن الأوربيون أنهم يهدون البشر حضارتهم، في حين أنهم يجرّدونهم من أعز ما يمتلكون، فكم هي شبيهة قصة طرد وا. ثيونغو من بيت أبيه، بحكاية ما يفعله المستعمر، فهو يطرد الإنسان من حاضنته الطبيعية؛ أي الأرض التي ولد عليها بعاداتها، وتقاليدها، ومعتقداتها، وسحرها، ليمده بحاضنة أخرى مختلفة وغريبة عنه.

اقتباسات

*بدا الأمر كما لو أن الأرض كانت تبتلع أمهاتي وأشقائي في وضح النهار بطريقة غامضة».

*صرت مدركاً أن الأرض التي طالما افترضناها ملكاً طبيعيا لنا، لم تكن كذلك».

*كيف يمكن لأحد أن يمتهن مهنة يحدّدها لون بشرته».

*كانت أسماءٌ غريبة، مثل: تشرشل، وروزفلت، تتردّد على مسامعنا أثناء رواية حكايات المساء».

*هتلر وموسوليني كانا يمثّلان الغيلان القبيحة المكروهة في مخيلتي».

*كيف يمكنُ لهؤلاء الرّجال والنساء أن يعلموا بأمر هذه الحكايات القديمة، وتلك الأماكن البعيدة التي ما رأوها يوماً؟».

*هل خسرنا أرضنا المملوكة تقليديّاً لنا وفاز بها الأوروبيّون؟».

الناشر: دار روايات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/7u87udj7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"