عادي
في شاعرية البصر

«المبسوط المغربي».. الخط لمسة سلام للقلب

15:01 مساء
قراءة 3 دقائق
عبد الرحيم كولين

الشارقة: جاكاتي الشيخ

يعتبر الفنان المغربي عبد الرحيم كولين واحداً من أهم الخطاطين المغاربة المعاصرين، الذين استطاعوا تقديم الخط المغربي - بما يتميز به من خصوصية إبداعية – إلى العالم، ليحجز له مكانة خاصة كنوع متفرد من أنواع الخط العربي الذي يشكل بصمة المغرب العربي والإسلامي في مسيرة هذا الفن الأصيل.

ظهرت موهبة الخط لدى كولين في سنة 1983م حين كان يزاول المسرح المدرسي ويتنافس مع بعض زملائه في التفنن في كتابة الأسماء، ليبرز تميز خطه ويصبح الكاتب الرسمي لأسماء زملائه، فبدأ اهتمامه بفن الخط العربي، وظل يمارسه بشغف حتى تم توظيفه خطّاطاً بالجماعة الحضرية للدار البيضاء سنة 1988م، ما شجعه على المضي قدماً في تطوير مهاراته والتعمق في دراسة الخط وتجويده، حتى صار من أهم مراجع الخط المغربي المعاصر، حيث يعمل الآن رئيساً لشعبة فن الخط العربي بأكاديمية الفنون التقليدية في الدار البيضاء، ومدرساً للخط العربي بالمكتبة الوسائطية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني، وعضواً في لجنة التحكيم الوطنية لجائزة محمد السادس لفن الزخرفة المغربية على الورق، وقد نال شرف كتابة المصحف الشريف برواية ورش عن نافع بالخط المغربي المبسوط للدار العالمية للكتاب، ويستعد الآن لإنهاء كتابة المصحف الثاني، وشارك منذ 1990م في عدة ملتقيات فنية وثقافية محلية ودولية أهمها: مهرجان الفنون الإسلامية بالشارقة سنة 2023م، وملتقى الشارقة للخط سنة 2022م، وملتقى القاهرة الدولي لفن الخط العربي سنة 2022م، ومعرض فن الخط العربي بمنظمة الإيسيسكو في إطار الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية مع الجمعية المغربية لفنون الخط سنة 2021، ونال العديد من الجوائز على الصعيد المحلي والدولي، من بينها جائزة محمد السادس للتميز في فن الخط المغربي، وقد اقتنى الملك إحدى لوحاته الجميلة وتم ذلك في استقبال ملكي رسمي.

  • طابع مميز

ضمن كولين لوحته نصّ الآية 24 من سورة الرعد التي يقول فيها الله جل جلاله: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾، وكتبها بالخط المغربي المبسوط، وهو خط محلي جميل، ظهر في بلاد المغرب والأندلس منحدراً من الخط الكوفي، وكان يعرف بالخط الكوفي المغربي، وقد شاع استخدامه في كتابة مصاحفها، وهو أقرب إلى خط النسخ والثلث، ما يعطيه طابعاً مميزاً لا تخطئه العين ويجعله أكثر طواعية للتنفيذ، كما يتميز بوضوح حروفه وامتدادها وشدة تقويس بعضها، وسمي بالمبسوط لبساطته وسهولة قراءته.

وتتحدث الآية الكريمة المخطوطة في اللوحة عن المؤمنين الصابرين المبشرين بجنات عدن، والذين يدخلونها فتحييهم الملائكة وتبلغهم تحقيق وعد الله لهم بسلامتهم من كل سوء، لما صبروا في الدنيا على طاعة الله، فنعم العقبى ونعم المصير، فالصبر يعني تحمل كل أنواع البلاء الدنيوية، بما فيها الأمراض وسواها من المكاره، فكل ذلك من موجبات السلام الروحي، والمغفرة والحلول الأبدي في جنات الخلد.

  • دلالة

لقد اشتغل كولين في تنفيذ هذه اللوحة على إبراز خصائص ومميزات الخط المغربي المبسوط، فخطها بتركيب متقن، حيث خط كلمة «سلام» في قاعدة الشكل لأنها - وإن كانت بداية الآية – هي المرتكز الدلالي لمضمون نص اللوحة، ثم خط فوقها مباشرة كلمة «عليكم»، التي جعلها أعرض من سلام، للإشارة إلى عظمة شأن هؤلاء المؤمنين، وخط فوقها «بما»، والتي ركبها عليها مباشرة وركب معهما كلمة «صبرتم» للدلالة على أن ذلك الصبر هو ما استوجبوا به هذا السلام، ثم خط كلمة «فنعم» دون تركيب ومثلها كلمة «عقبى»، ولكنه ركب حروف الكلمة الأخيرة «الدار» لتمييزها ولفت الانتباه إليها لأنها العاقبة الموعودة لأولئك الصابرين الذين نزلت الآية بالبشرى لهم، فتجلى طابع الخط المغربي المبسوط في تلك اللمسات، مثل التقويس البارز في الألف المقصورة من كلمة «عقبى»، والامتدادات الشاملة لكل الألفات واللامات في استقامة واحدة، والألفات المعقوفة قليلاً من الأسفل، عكس ما هو مألوف في بقية الخطوط التي تعقف فيها عادة من الأعلى، وبساطة شكل الحروف والكلمات ووضوحها، وهي مميزات قد تبدو سهلة التنفيذ، إلا أنها في الحقيقة تتطلب خبرة ومهارة لا تتوفر إلا في من خبر هذا الخط طويلاً وأبدع فيه.

كما زين كولين اللوحة ببعض الزخارف المستوحاة من المنمنمات المغربية والأندلسية البديعة، ونوّع في تلوين النقاط والحركات، ليقترب في شكله من خط الثلث الجلي، وكانت كتابة النص باللون البني إشارة إلى قوة ارتباط الصبر بالسلام الدنيوي والأخروي، في ما كان اختيار اللون الأصفر للوحة مع تبقيعه بالوردي، إشارة إلى ضرورة التعقل والركون إلى المنطق، لأن الصبر قرار لا يمكن للعاطفة أن تلعب فيه أي دور.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4yeznexw

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"