البعض من الأعمال والمهام التي نقوم بها في حياتنا، وتشكل أهمية بالغة، ولا يمكن تصور الحياة بدونها، لم تكن موجودة في تاريخ ماضٍ من عمر البشرية، وإنما تم اكتشافها أو تم اختراعها. وعند الحديث عنها في هذا العصر، قد يرى البعض أن المعلومات عنها غير صحيحة أو دقيقة، وقد يسأل البعض: لماذا نسميها اختراعاً، وليس اكتشافاً؟ أو لماذا لا تكون اكتشافاً، وليس اختراعاً؟ وللإجابة عن مثل هذا السؤال، لنعرف أولاً ما هو الاختراع، وما هو الاكتشاف.
الاختراع هو إيجاد أو ابتكار شيء جديد لم يكن موجوداً من قبل، أو غير موجود في الطبيعة، مثل اختراع العجلة أو الهاتف. أما الاكتشاف، فهو العثور على شيء موجود بالفعل في الطبيعة، ولكن لم يكن معروفاً عند الإنسان، مثل اكتشاف النار أو اكتشاف الجاذبية. ومع مثل هذا التعريف الواضح، والمختصر، إلا أنه توجد مخترعات يراها البعض كشوفاً، وهناك كشوف يعتبرها البعض مخترعات.
ماذا عن الكتابة؟ هل هي اختراع أم اكتشاف؟ هناك من يقول بأنها اختراع، لأنها لم تكن موجودة في الطبيعة بشكلها الحالي، ولكن هناك من يعتبرها اكتشافاً، لأنها جزء من تفكير الإنسان وطبيعته، وإن تأخر في اكتشافها، مثلها مثل اكتشاف النار، والزراعة، والعجلة، جميعها كانت موجودة، لكن تأخر الإنسان بعض الوقت، حتى اكتشفها. والحال نفسها مع الكتابة، فقد كانت جزءاً من تكوين وطبيعة الإنسان نفسه، لكنه تأخر بعض الوقت في اكتشافها ومعرفتها، الحال نفسه في موضوع الأرقام، هناك من لا يعتبرها اختراعاً، وإنما كشفٌ تم تطويره، ووُضعت أسسٌ وقوانين وأنظمة له، وتطور مع مدار تطور البشرية ونموها.
وبغض النظر عن كون الكتابة اختراعاً أو اكتشافاً، يبقى لها الأثر الكبير والعظيم في تطور ونمو البشرية، فقد أسهمت في نقل المعلومات على اختلافها جيلاً وراء جيل بدقة وشمولية، بدلاً عن تلك الحالة التي كانت تنتقل المعلومات خلالها بالطريقة الشفاهية، والتي معها تضيع كثير من التفاصيل المهمة. ولا نبالغ عند القول إنه بسبب الكتابة، ظهرت علوم أخرى حيوية ومهمة، مثل القوانين والأنظمة، وأسهمت في حفظ الأفكار والنصوص، وهذه تزايدت وتراكمت جيلاً وراء جيل، حتى باتت مصدراً حيوياً ومهماً للحياة البشرية ويتم التطوير عليها باستمرار. لا أحد ينكر الأثر المدوّي للكتابة في تاريخ البشرية وتطورها، ويبقى السؤال: هل هي اختراع أم اكتشاف؟
