أدب الصدمة

00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. باسمة يونس

ليست القصة الومضة والقصيدة الومضة مجرد موضة خلقتها التكنولوجيا الحديثة، بل هما شكل أدبي معروف بفن الخيال القصير، تكتب فيه القصة أو القصيدة بلغة مكثفة وتعد من الأنواع المفضلة لدى أشهر الكتاب لقدرتها على نقل الحقائق العميقة والعواطف الإنسانية في بضع كلمات أو فقرات قصيرة.

والقصة الومضة تحتوي على عناصر القصة التقليدية ولكنها تُعرض بشكل مكثف ومختصر للغاية في بضع جمل أو حتى جملة واحدة، وتُركز على تقديم فكرة أو موقف بطريقة تجذب القارئ وتترك له مساحة للتأمل والتفكير. أما القصيدة الومضة، فهي قصيدة تعتمد على الإيجاز والتكثيف في التعبير وتُقدّم مشاعر أو أفكاراً قوية بكلمات قليلة وتُشبه القصة الومضة في طبيعتها لكنها تُركز على الجوانب الجمالية والبلاغية للشعر، ويمكن العثور على جذور هذه الأشكال في الأدب الياباني التقليدي مثل «الهايكو» الذي يعتمد على التعبير المكثف والموجز.

ومن خصائص هذا الأدب الإيجاز بحيث تكتب قصة بأكملها في مساحة غير محددة من بضع كلمات أو بضع فقرات وبحبكة كاملة لها بداية ووسط ونهاية، وغالباً ما تتضمن مفاجأة وعادةً ما تكون في شكل نهاية ملتوية أو سطر أخير غير متوقع بهدف دفع القارئ إلى التفكير بعمق في المعنى الحقيقي للقصة أو القصيدة. وتتميز القصة والقصيدة الومضة بجاذبية فنية خاصة حيث يجبر الإيجاز الكاتب على التركيز على الأساسيات وإزالة كل ما هو زائد مما يُبرز جوهر الفكرة أو الشعور، ويؤدي هذا التحدي الإبداعي إلى نتائج مذهلة من حيث العمق والتأثير العاطفي.

ويعود تاريخ القصة الومضة إلى زمن الخرافات والأمثال، وتم ترويج هذا الشكل في القرن التاسع عشر من قبل كتاب مثل والت ويتمان وكيت شوبان وأمبروز بيرس، وكانت القصة الومضة الأكثر شهرة هي القصة المنسوبة لإرنست هيمنغواي وتتكون من ست كلمات لكنها تتضمن من المشاعر ما يمكن أن تسرده رواية كاملة، والقصة هي: «للبيع: حذاء طفل، لم يُلبس قط» استطاعت في ثمانينات القرن العشرين إلهام العديد من الكتاب لتجربة هذا النوع من الأدب، فنشر روبرت شيبرد وجيمس توماس مجموعة من القصص الومضة تحت عنوان «أدب الصدمة» لتحفز ظهور ونهضة هذا النوع من الأدب.

و رغم أن الأدب المكثف ليس ظاهرة جديدة تماماً، لكن تطور القصة والقصيدة الومضة كأشكال أدبية معترف بها قد تزايد في عصر التكنولوجيا المتسارعة حيث تميل الجماهير إلى استهلاك المحتوى بسرعة ليصبح هذا النوع من الأدب متناسباً مع هذا الإيقاع السريع الذي يمكنه بالإيجاز والتكثيف الشديدين إثارة مشاعر وأفكار عميقة ببضع كلمات أو جمل قليلة.

ومع ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، تسارع انتشار القصة والقصيدة الومضة بشكل كبير وشجعت المنصات على استهلاك المحتوى القصير والمركز، حيث يميل المستخدمون إلى قراءة ومشاركة النصوص السريعة التي يمكنهم استيعابها خلال وقت قصير، كما ساهمت المنصات مثل «إكس»- تويتر سابقاً- في تطوير نوع من الأدب يُعرف ب التغريدات الأدبية، حيث يمكن للكتّاب نشر ومشاركة قصص وقصائد ومشاعر مكثفة بحد أقصى 280 حرفاً لتسهم بدورها في تعزيز فن الإيجاز وجعل القصة والقصيدة الومضة أكثر شيوعاً وانتشاراً.

و يمكن القول إن القصة والقصيدة الومضة ليستا مجرد موضة أدبية مرتبطة بعصر التكنولوجيا، بل هما تطور طبيعي للأدب يتماشى مع الحاجة إلى التعبير المكثف والفعال في زمن السرعة وينتشر بفضل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، بحيث يمكنه الوصول إلى جمهور واسع بسرعة وسهولة، ما يعزز من مكانته في الأدب المعاصر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mryhwwr9

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"