..التمرد

كيف تمزق معاداة الليبرالية أمريكا مرة أخرى؟
00:11 صباحا
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 5 دقائق
ترامب
ترامب

عن المؤلف

الصورة
روبرت كاغان
روبرت كاغان
روبرت كاغان زميل بارز في مؤسسة بروكينجز وكاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست. له عدد من المؤلفات. خدم في وزارة الخارجية الأمريكية من عام 1984 إلى عام 1988. ويعيش في فرجينيا.

يمر المشهد السياسي الأمريكي بتحولات جذرية تهدد استقراره؛ حيث تبرز الانقسامات العميقة والتحديات التي تواجه الديمقراطية الليبرالية. هذه الأزمات تكشف عن تفاوت كبير في الآراء حول القيم الأساسية ومستقبل الحكم في الولايات المتحدة.

تُظهر الأحداث الراهنة في السياسة الأمريكية أن النظام الديمقراطي الذي كان يُعتقد أنه قوي ومستقر قد يكون أكثر هشاشة مما تصورنا. هذا الاضطراب العميق ليس فقط نتيجة للانقسامات السياسية الحالية، ولكن أيضاً بسبب تآكل الثقة في النظام الديمقراطي نفسه، فالمواطنون الذين يشعرون بالتهميش والذين فقدوا الثقة في القيم الليبرالية والمؤسسات التي تدافع عنها يتطلعون الآن إلى قادة يعِدون بإعادة السيطرة على مستقبلهم بطرق قد تتعارض مع أسس الحكم الديمقراطي. يتجلى هذا التحول الخطِر في تصاعد الدعم للأفكار الشعبوية التي تنادي بحلول جذرية وأحياناً تعسفية، ما يهدد بزعزعة استقرار النظام السياسي الأمريكي بأكمله، وينذر بعواقب قد تمتد لأجيال قادمة.

1

يقدم روبرت كاغان في عمله «التمرد: كيف تمزق معاداة الليبرالية أمريكا مرة أخرى» صورة مقلقة للسياسة الأمريكية المعاصرة، مميزة بتحليل عن تطرف الحزب الجمهوري. ولا يقتصر في مناقشته على التنبؤ بالأحداث المستقبلية؛ بل يقدم تحذيراً مخيفاً حول هشاشة الديمقراطية في الولايات المتحدة.

  • نهاية المشهد الديمقراطي في أمريكا

الأطروحة الرئيسية لكتاب كاغان مفادها أن انتخابات 2024 قد تشهد نهاية المشهد الديمقراطي في أمريكا الموحدة. فمن خلال رسم نهج موازٍ مع انتخابات 2020، حين رفض دونالد ترامب قبول هزيمته، وبروز اضطرابات سياسية كبيرة، يتصور كاغان سيناريو مفاده يمكن أن يؤدي رفض مماثل في الانتخابات القادمة إلى إطلاق حركات انفصالية عبر الولايات التي يهيمن عليها الجمهوريون. وبالتالي هذا قد يؤدي إلى نهاية أمريكا الموحدة، مع عواقب وخيمة على كل من الاستقرار المحلي والدولي.

يستند تحليل كاغان بعناية على سياق تاريخي يمتد لعدة قرون، ويجمع في هيكل الكتاب بين النمط الزمني والموضوعي، بدءاً بالثورة الأمريكية في الفصل الأول بعنوان «التطرف في الثورة الأمريكية». هنا، يجادل كاغان بأن بذور معاداة الليبرالية زرعت خلال أيام تأسيس أمريكا، حيث لم يكن الصراع ضد السلطة المركزية مجرد نضال من أجل الاستقلال، ولكنه أيضاً موقف أساسي معادٍ لليبرالية.

ويتتبع كاغان في الفصل الثاني، «التقليد المعادي لليبرالية في أمريكا»، تطور هذه المشاعر، موضحاً كيف ظهرت بشكل دوري، وخاصة خلال أوقات الضغط والتغيير الوطنيين. يمهد هذا للفصل الثالث، «انتصار معاداة الليبرالية»، حيث يدرس التحولات السياسية في القرن العشرين التي شهدت صعود الأيديولوجيات المحافظة، وخاصة تلك التي تعارض الحكومة الموسعة.

ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى عصر حاسم في تاريخ أمريكا مع الفصل الرابع، «ثورة الحقوق المدنية». يوضح كاغان كيف لم تدعم هذه الفترة القيم الليبرالية فحسب، بل أيضاً أشعلت ردَّ فعلٍ عنيفاً بين أولئك الذين رأوا هذه التغييرات كأنها معادية للتقاليد الأمريكية. يُنظر إلى هذا الأمر كمقدمة لصعود «اليمين الجديد»، الذي يتحدث عنه الكاتب في الفصل الخامس.

  • ترامب.. المخلّص والمدمّر

يمكن النظر إلى الفصلين السادس والسابع، بعنوان «التمرد» و«ترامب، المخلّص والمدمّر» على التوالي، على أنهما ربما الأكثر معاصرة. يحلل المؤلف فيهما السنوات القليلة الماضية من السياسة الأمريكية؛ حيث يصف رئاسة ترامب بأنها تجسيد للنزعات المعادية لليبرالية، وعامل محفز للحالة الراهنة لتطرف الجمهوريين. يصوّر كاغان ترامب كشخصية محورية استطاعت استغلال هذه التيارات التاريخية، واضعاً إياه كنتاج معاصر خرج من رحم الانقسام السياسي الشديد.

يشير المؤلف إلى أن المؤسسات التي أنشأها مؤسسو أمريكا لحماية الحكومة الديمقراطية الليبرالية لا يمكن أن تستمر عندما لا يؤمن نصف البلاد بالمبادئ الأساسية التي تدعم النظام الحكومي الأمريكي. لذلك، لن تكون انتخابات 2024 المعتادة بين الجمهوريين والديمقراطيين، بل هي استفتاء حول ما إذا كان ينبغي استمرار الديمقراطية الليبرالية التي وُلدت من الثورة. اليوم، تمرد عشرات الملايين من الأمريكيين ضد هذا النظام واعتنقوا دونالد ترامب كزعيم لهم؛ لأنهم يعتقدون أنه يمكنه تخليصهم مما يعتبرونه الاضطهاد الليبرالي للسياسة والمجتمع الأمريكيين. إذا فاز، فسوف يدعمون كل ما يفعله، بما في ذلك انتهاك الدستور لملاحقة أعدائه وخصومه السياسيين، وهو ما وعد بفعله. إذا خسر، فسوف يرفضون النتائج وينكرون شرعية الحكومة الفيدرالية، تماماً كما فعل الجنوب في عام 1860. بأي حال من الأحوال، سوف ينكسر النظام السياسي والاجتماعي الليبرالي الأمريكي، ربما بشكل لا يمكن إصلاحه.

على الرغم من أن هذه الأزمة تبدو غير مسبوقة، فإن الصراع الذي يمزق أمريكا اليوم قديم قدم الجمهورية نفسها. لم تنتج الثورة الأمريكية نظاماً حكومياً جديداً مكرساً لحماية حقوق جميع الأفراد ضد الحكومة والمجتمع فحسب، بل أنتجت أيضاً رد فعل ضد تلك المبادئ الليبرالية نفسها، من قبل مالكي العبيد وداعميهم البيض، ومن قبل الحركات الدينية، ومن قبل العديد من الأمريكيين الذين سعوا للحفاظ على التسلسلات الهرمية التقليدية القديمة للشعوب والمعتقدات في مواجهة قوة التسوية الليبرالية. لقد شكل هذا الصراع، بين الليبرالية ومعاداة الليبرالية، السياسة الدولية على مدار القرنين الماضيين، ويهيمن على المشهد الدولي اليوم. ولكن تم خوض نفس الصراع أيضاً داخل النظام الأمريكي منذ زمن الثورة.

ويوضّح أن الفكرة بأن جميع الأمريكيين يشتركون في الالتزام بمبادئ تأسيس الأمة كانت دائماً خرافة مرضية، أو ربما كذبة نبيلة. نحن نفضل الاعتقاد بأننا جميعاً نشارك الأهداف الأساسية نفسها، ونختلف فقط في الوسائل لتحقيقها. ولكن، في الواقع، رفض عدد كبير من الأمريكيين دائماً ادعاء المؤسسين بأن جميع الرجال خلقوا متساوين، بحقوق «غير قابلة للتصرف» في الحياة والحرية والسعادة، وقد ناضلوا بشكل مستمر ضد فرض تلك القيم الليبرالية على حياتهم. كما تمنى عدد كبير من الأمريكيين، منذ زمن الثورة وحتى اليوم، رؤية أمريكا بمصطلحات عرقية دينية، كأمة بيضاء، بروتستانتية، تتميز بأنها نتاج الحضارة الأوروبية البيضاء المسيحية. كان هدفهم الحفاظ على التفوق الأبيض المسيحي، على عكس رؤية المؤسسين، وقد تحملوا ليبرالية المؤسسين وعمل النظام الديمقراطي فقط عندما لم يقوض تلك القضية. عندما فعل ذلك، تمردوا مراراً وتكراراً ضده.

ويرى بناء على ذلك أن حركة ترامب ليست شذوذاً غريباً، فهي مثل الروح الشريرة في رواية ستيفن كينغ، كانت دائماً معنا، تأخذ أشكالاً مختلفة على مر العقود، وتسيطر أحياناً على حزب ثم على آخر، وأحياناً تكون ذات تأثير قوي، وأحياناً أخرى تبدو ضعيفة وكأنها تختفي. اليوم، استولت على الحزب الجمهوري كما كانت تسيطر في السابق على الحزب الديمقراطي. وعلى الرغم من أن الناس قد يشيرون إلى أسباب حديثة ومجاورة لظهورها الأخير كحركة ترامب، فإن البحث عن هذه الأسباب يفتقد إلى النقطة الجوهرية.

يناقش هذا الكتاب على العموم الديمقراطية الأمريكية ومستقبلها، وهو يجمع بشكل معمق بين التاريخ والشؤون الحالية، والتطرف السياسي والصراع المستمر بين الليبرالية ومعاداتها في الحياة الأمريكية. ويمكن القول إنه مع اقتراب انتخابات 2024، فإن آراء كاغان ليست فقط ذات صلة بالمشهد الراهن، بل تكاد تكون ضرورية لكل من يتطلع لفهم القوى التي تشكل المشهد السياسي الأمريكي اليوم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/bdekce3u

كتب مشابهة

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
ريتشارد أوفري
1
فريد زكريا
تظاهرة عمالية في ألمانيا
ستيفانيا باركا
1
آدم تشابنيك وآسا مكيرشر
1
ريتشارد يونغس
خلال قمة أوروبية سابقة
مارك ساكليبن
1
تياجو فرنانديز