عادي
صدر في الشارقة

«التراث الشعبي»... ذاكرة الوطن الحية

15:24 مساء
قراءة 5 دقائق

الناشر: معهد الشارقة للتراث

الشارقة: علاء الدين محمود

يغوص الدكتور يوسف عيدابي في كتاب «التراث الشعبي في الإمارات... ببليوغرافية شارحة»، الصادر عن معهد الشارقة للتراث، عام 2022، في أعماق الثقافة والتراث الإماراتي، ليخرج بالكثير من المعلومات عن طريق الببليوغرافيا؛ أي الفهرسة المرتبة والمصنفة عبر الحروف الهجائية، مع شرح وافٍ للبيانات والمعلومات بمنهج علمي دقيق، وذلك من أجل سد الفجوة في مجال البحوث التراثية وتغطية كل محاورها.
الكتاب يقع في 727 صفحة من الحجم المتوسط، ويشتمل على مقدمة، وقائمة بأسماء المراجع والمصادر، وكشاف للمواضيع، وكشاف للمؤلفين، ويتبع الكتاب أسلوباً مختلفاً من حيث الرصد والتوثيق؛ حيث حرص الكاتب على العلمية والمنهجية، إذ يضم رصداً توثيقياً لكل ما كتب حول التراث الشعبي من مصادر ومراجع، والباحث يحدد عنوان الكتاب والدراسة وسنة صدورها ودار النشر، وأرقام الصفحات إن كان الموضوع دراسة في كتاب أو مجلة، ثم ينهي توثيقه بتلخيص موجز للكتاب أو الدراسة أو وصف لها.
*رياح التغيير
يشير المؤلف في مدخل الكتاب إلى أن التراث الشعبي المنتج في بيئات الصحراء قد تأثر برياح التغيير التي هبت عليه في أواسط القرن الماضي، وكان التحول الأول دخول اللؤلؤ الصناعي السوق التجارية، مزيحاً اللؤلؤ الأصلي عن عرشه، وقاضياً بذلك على مهنة كانت هي مصدر الرزق الأول لأهل الخليج «مهنة الغوص، وتجارة اللؤلؤ»، ثم لم يلبث المجتمع أن عرف التحول الثاني باكتشاف النفط وتدفق الثروة لتتبدل الحال وأنماط الحياة والعادات، وتضمحل مهن كانت إلى ذلك الوقت هي محرك الحياة في المجتمع، ويواجه المجتمع الإماراتي «موضوع الدراسة»، عالماً جديداً، وثورة تقنية تمحو الصناعات التقليدية وتذهب بها إلى عالم النسيان، حيث كان لا بد لهذا العالم الآخذ في التلاشي من بين أيدي أهله، من أناس أحبوه لأنه صنيعة عرق الأجداد، ودم أيديهم وساعات صبرهم، و كان لا بد أن يحرك التراث نفوس أولئك المحبين الغيورين على وطنهم ومجتمعهم، وهويتهم الحضارية، فبدؤوا توثيق كل تفاصيل ذلك الماضي حفاظاً عليها من التلاشي.
*المؤسسات الثقافية
ورغم أن الكتاب يضم توثيقاً لمئات الكتب والمصادر، فإن المؤلف يرى أن ما تم تدوينه وحفظه من تراث الأوائل في الإمارات قليل جداً، وقام به في البداية أفراد لا يملكون إلا إيماناً عميقاً بقيمة الماضي وأثره في الحاضر، وقد تعززت جهودهم في العشرية الأخيرة بجهود قامت بها مؤسسات ثقافية مهتمة بالتراث، فعملت على تدوين ونشر هذا التراث، لكنّ المؤلف يرى أنه لا تزال هناك حاجة كبيرة إلى وضع استراتيجية قومية مركزية لحفظ وصيانة التراث ونشره، وأن تضع تلك الاستراتيجية رؤية تحدد الأولويات، وتوفر أطلساً فولكلورياً وفهارس وببليوغرافيا، تبين ما تم إنجازه وتحدد مكامن الانطلاق لاستكمال العمل.
*لغة أدبية
ويصدّر المؤلف الكتاب بكلمات مضيئة؛ وهي: «التراث الشعبي ذاكرة للشعب حاضرة في المستقبل، والتفريط في صون وحفظ التراث ضياع للغد والهوية، وموت للذاكرة، وإخماد لمخيلة صانعة للفردوس الجمالي»، والملاحظ أن الكتاب رغم صرامته العلمية، إلا أن المؤلف عمل على صناعة لحظات مترعة بالجمال عبر لغة أدبية بديعة، تحرّض القارئ على المتابعة بتشويق منه دون أن يتسرّب إليه الملل، وتتضح تلك النية في تقديم عمل يفهمه المتلقي، من خلال الشروحات الوافية، والإضاءات المهمة، كما أن كلمة المؤلف تحمل تحفيزاً وتشجيعاً كذلك للمؤلفين على ضرورة أن يستمروا في جهودهم البحثية في مجال التراث الإماراتي نسبة لأهميته كذاكرة للشعب؛ حيث إن التقاعس عن هذه المهمة يضيع الغد والهوية، ويؤكد الكتاب أن التراث الإماراتي يتسم بالتنوع والثراء ويشتمل على الشعر والحكاية والأدب، والمعالم والبيئات المختلفة، ويغوص الكتاب في تلك العوالم المادية والروحية للتراث.
*حكاية
ومن المفردات التراثية التي ركز عليها الكتاب، «الحكاية الشعبية»؛ حيث يفرد لها المؤلف مساحة جيدة متتبعاً أشكالها وأنواعها والعوامل التي كوّنتها، ويشير إلى أن العقد الأخير «2010 ـ 2020»، اتسم بتوفير قدر ملحوظ من كتب الأدب الشعبي، وبخاصة الجمع الميداني في مجال الحكاية الشعبية، من لدن جامعيين من الشباب الذين تلقوا دورات في الجمع الميداني، وما يلاحظ عليهم أنهم قد شغفوا بالحكاية في جملة حقول: الخرافة وحكايات الحيوان، المعتقدات والسير والملاحم والعجائب والغرائب والأحلام والرؤى، بل وصل بهم الجمع إلى دوائر البحر والصحراء، ما وفر تراثاً ثرياً جديداً، وما يلفت في خصوص الحكاية الشعبية أيضاً توافر باحثين جامعيين ذهبوا إلى عصرنة الحكاية، وتجديد نصوصها المتوارثة، وتكييف نصوص بصياغات جديدة أو معالجة النصوص التي تم جمعها برؤى ومنظور يسبغ على الحكاية روح العصر، ويقربها من الجمهور المستهدف بها، سواء كان العموم أو الخصوص بقصد التوعية والتربية.

*الشعر النبطي
يؤكد الكتاب الاهتمام الكبير الذي يلقاه الشعر الشعبي الإماراتي، سواء النبطي، أو الأشكال الأخرى من النظم العامي، ليس على مستوى الجمع فقط، بل في مجال الدراسات والتدوين والشرح والتوثيق للسير الحياتية للشعراء في أجيالهم المتعاقبة، وفي هذا الخصوص يوفر الكتاب أو «الببليوغرافية الشارحة»، عدداً كبيراً من الجمع والتحقيق والدرس لأهم شعراء النبط من القدامى إلى المعاصرين، من القصيدة التقليدية إلى القصيدة الحديثة، بل العامية الشعبية. فهنالك عدد كبير من الشاعرات والشعراء، ما يعزز حضور الشعر في الحياة، بل حضوره في الإذاعتين المسموعة والمرئية، مما يعتد به في أزمنة العولمة الثقافية التي تركت التراث المحلي على الهامش، وفي هذا السياق فإن الشعر النبطي المحلي يحظى بدراسات عديدة مقارنة بنظيره في المنطقة، وتناول المؤلف ذلك الشعر الشعبي الموظف في الأغاني، مما نشأ عن قصائد من لدن خيرة الشعراء في مجال التطريب والغناء، بخاصة في الصوت الخليجي أو الغناء الشعبي الحديث، وفي هذا الخصوص تميز شعراء دون آخرين باهتمام الدارسين، فتوقفوا عند إنتاجهم.
*سيرة
الكتاب يحمل الكثير من الجهد البحثي، والبذل الفكري، ويقدم المتعة للقارئ عبر المعلومات الكثير من المعارف التي يحملها، واللغة المترعة بالجمال، ويعود ذلك إلى الأسلوبية التي انتهجها المؤلف د. يوسف عيدابي، الحاصل على دكتوراه في تاريخ ونظرية المسرح «دراسات مقارنة»، جامعة بوخارست، تخصص أيضاً في التراث، إضافة إلى كونه شاعراً ومسرحياً وسينمائياً وناقداً وأكاديمياً، شغل الكثير من الوظائف المهمة، وحاز جوائز عدة، من أبرزها تكريم مهرجان دمشق للفنون المسرحية، ومن أهم مؤلفاته: «التراث الحي»، و«الرواة الجدد»، و«نهمة الخليج»، وعدد من الكتب الأخرى.
*اقتباسات
«في أزمنة العولمة، تبرز قيمة الموروث وتداخلاته مع الحاضر الثقافي».
«الهوية الثقافية شعار المرحلة».
«المثل الشعبي هو مختصر تجربة وحكمة وقيمة محلية».
«بناء الحكاية الشعبية مجال خصب لبناء البطولة الشعبية».
«التبراع هو غناء النساء بعيداً عن أعين المجتمع».
«المعتقدات الشعبية مجال مهم للفنان التشكيلي في الأداءات البصرية والحركية».
«أبواب المدن عبر التاريخ العربي الإسلامي، هي أسوار حصينة وقلاع لرد العدو».
«المرأة الإماراتية حاملة للتراث، محافظة عليه، وصونه من مهامها».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4peze6hs

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"