عادي

تعرف إلى حياة الفيلسوف الإيطالي فيكو الدرامية

19:39 مساء
قراءة 3 دقائق
فيكو - العلم الجديد

القاهرة: «الخليج»

جامباتستا فيكو (23 يونيو 1668 – 23 يناير 1744) فيلسوف إيطالي، ابن بائع كتب، وأمه ابنة صانع عربات في نابولي، أكمل دراسته في البيت، لاعتلال صحته، لم يستعن بأحد يمكن أن يشرف على تعليمه، وتمكن في وقت قصير من تحصيل المعارف، التي كانت تنقصه، حتى أنه صرح بأن المعلم اختبر بإعجاب، صبياً كان معلم نفسه، لقد تعلم كل ما يدرسه المعلمون، وأضاف إليه علم الإنسانيات.
عندما كان في السابعة سقط من أعلى سلم، فارتطم رأسه بالأرض، وظل غائباً عن الوعي لخمس ساعات، توقع كثيرون موته، لكنه بقي على قيد الحياة، وأصيب باكتئاب حاد، ظن الجميع أنه لن ينجو من الموت، حتى وإن نجا، فإنه سيبقى ضعيف العقل، الشيء الوحيد الذي فقده هو متعة اللعب والاختلاط بالآخرين، فانزوى بنفسه وكرس كل جهوده للدرس.
عكف فيكو على دراسة القانون وفقه اللغة والتاريخ والفلسفة، وتخبط بين مواقف كانت تبدو غير صحيحة، متطلعاً إلى منهج جديد، يمكنه من إزاحة الستار، الذي كان يحجب عنه حقائق الإنسانية الأولى، ويجعله يقرأ بواسطته أفلاطون وأرسطو قراءة جديدة، تتوافق مع الحقائق التاريخية والطبيعية التي عاشها الإنسان البدائي.
*متعة
كان فكر أفلاطون هو الذي يتلاءم مع ميول فيكو المعرفية، وبحكم مواهبه الطبيعية وظروفه المادية والصحية كان عليه أن يقبع في العزلة، ورغم صغر سنه، ونظامه الفلسفي، كان فيكو في صحبة أفلاطون، يجد متعة في التأمل من خلال الكون والمادة الطبيعية نفسها في وجود مبدأ ميتافيزيقي، في وجود فكرة سرمدية تشكل العالم الخارجي.
كان من نتيجة قراءاته لأفلاطون وأرسطو وهوراثيوس أن نفر من أطروحات الأبيقوريين التي تتأسس على المادة، وعاب أكثر على أبيقور رؤيته للأخلاق التي تتمسك بكل ما هو حسي، ونراه يعود في كتابه «العلم الجديد.. في الطبيعة المشتركة لكل الأمم» (ترجمة د. أحمد الصمعي) لرفض فلسفة أبيقور التي تترك مصير الإنسان للصدفة، دونما مبدأ أو فكرة سرمدية تتجاوز ماديته.
إلى جانب قراءاته الفلسفية كان فيكو منكباً على دراسة القانون الروماني، باحثاً عن مصادره في عادات وتقاليد الشعوب، وعن وثائقه في اللغة اللاتينية، وبعد غيبة عن نابولي لتسع سنوات، عاد إليها ليجد الجميع متحمسين للفيزياء الطبيعية والمذاهب الديكارتية، ولفلسفة أرسطو أكثر من فلسفة أفلاطون، فأحس بنفسه غريباً في موطنه، معارضاً للمذاهب التي اعتنقها الجميع، وحيداً فقيراً كئيباً خجولاً، كان يعيش منعزلاً مجهولاً لدى أغلب الناس، وكان يدلي بآرائه وأفكاره وسط جموع لا مبالية غير قادرة على فهمه.
كان فيكو بحاجة إلى العمل إذ كانت وضعية عائلته صعبة، وكان والداه متقدمين في السن، وكلما حاول أحدهم مساعدته لإدماجه في الوسط الأكاديمي، إلا وقوبل بالرفض لحداثة سنه، وفقر عائلته وغرابة أطواره وأفكاره الفلسفية، وفي ظروف ملائمة عمل بالتدريس، وكانت دروسه فرصة سانحة له، لعرض ما جمعه منذ مدة طويلة من أفكار في ذهنه، فبين في أحد دروسه أن العلم هو ما يحتاج إليه الفكر، مثلما يحتاج الجسد إلى النوم والحركة، وأن الجهل هو نتيجة تعليم خاطئ أكثر منه غياب كل تعليم.
*تأثيرات سلبية
حين صدر كتابه عن «العلم الجديد» كانت معه مقدمة، تمكننا من معرفة تفاصيل من حياته، ومن خلالها ندرك أن فيكو منذ سقوطه، وهو في السابعة من عمره، وطيلة حياته، عانى تأثيرات تلك الحادثة، وأنه رغم دخله المتواضع كمدرس في البلاغة اعتنى بزوجته وأبنائه، وبالرغم من تعاقب الخيبات، واصل العمل لثقته في جدية أفكاره وفي صحة تصوره للعلم الجديد، الذي كان على يقين من أنه سيؤثر لاحقاً، في طريقة تناول المواضيع الفلسفية والفقهية والتاريخية واللغوية.
بعد عشر سنوات من ظهور كتاب «العلم الجديد» كان شارل الرابع قد خف لنجدة فيكو، فعينه مؤرخاً رسمياً للملك براتب سنوي وفي سنواته الأخيرة ضعف عقله وأشرف على الجنون، توالت عليه أزمات المرض، ومصاعب الحياة، وسط عائلته المعوزة، ومع ذلك أولى أبناءه وبناته كل عنايته، وحرص على أن يؤمن لهم مستقبلاً مهنياً وعائلياً، يحفظهم من الفقر والحاجة، لكن المرض اشتد عليه، فضعفت ذاكرته وتعذر عليه النطق بسهولة، وانتابته الكآبة، كان يجلس في ركن الحجرة مع بقية العائلة، صامتاً، يكاد لا يتحرك، ولا يجيب إلا بإيماءة من رأسه، أو بمصافحة سريعة لأصدقائه.
بقي على تلك الحال سنة، وحين أتى السرطان على فمه، لم يعد بإمكانه أن يأكل أو يشرب، ولازم الفراش، وذات يوم استفاق، وتعرف إلى أبنائه وسر لوجودهم حوله، وحاورهم، ولم تدم فرحة العائلة إلا قليلاً، إذ تحول الألم من الرأس إلى الصدر، وشعر بأن نهايته اقتربت، فطلب راهباً صديقاً له، ليتقبل منه سر الاعتراف، ثم أراد أن يرى أبناءه، فنظر إليهم، وحين أحس بقرب الموت، عجل بالفراق، مشيحاً عنهم بنظره.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8bsyz4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"