تغير المناخ.. إيجابيات مؤقتة

02:36 صباحا
قراءة 5 دقائق
ريم عبدالمجيد*

عزز ظهور فيروس كورونا الشعور بعدم اليقين الذي أضحى يميز العصر الحالي، حول كيف سيبدو العالم بعد الأزمة؟ كيف سيصبح النظام الدولي؟ هل تتمكن القوى العظمى الحالية من البقاء أم ستصعد قوى أخرى؟ ما تأثير الفيروس في عديد من الأزمات العالمية مثل الإرهاب، الاقتصاد، الصراعات؟ يضاف إلى جميع هذه الأسئلة سؤال رئيسي آخر: كيف سيؤثر الفيروس في أزمة تغير المناخ؟ وهي أحد أكبر التحديات التي تواجهها البشرية، والتي ستستمر في مواجهتها بعد القضاء على الفيروس.
العلاقة بين فيروس كورونا وتغير المناخ معقدة إلى حد بعيد، بحيث تتجاوز الطرح المنطقي الذي يفترض أنه مع الحجر الصحي وتوقف الإنتاج والنقل ستقل انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري، ومن ثم فإن الفيروس الذي تسبب في حالة عدم اليقين، وآلاف الوفيات، وتراجع الاقتصاد العالمي وغيره، سيتمكن من إنقاذ كوكب الأرض.
فعلى الرغم من أن تدابير مكافحة انتشار الفيروس أدت بالفعل إلى تحسين جودة الهواء وخفض معدلات التلوث بنسب كبيرة في معظم الدول المتضررة من الوباء مثل الصين، التي أكدت «ناسا» انخفاض مستويات ثاني أكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكربون في منطقة ووهان والمناطق الاقتصادية الرئيسية فيها، عندما دخلت القيود الصارمة للحد من انتشار الفيروس حيز التنفيذ، والتي أدت إلى انخفاض استهلاك الوقود الأحفوري المسؤول الرئيسي عن الانبعاثات، وتبع ذلك تحسن جودة الهواء، فإن الفيروس وحده لن يؤدي إلى حل أزمة تغير المناخ بشكل جذري، بل على النقيض؛ قد يؤدي إلى تفاقمها. وقبل إيضاح ذلك يجب التأكيد على أن الانخفاض المحتمل في الانبعاثات لن يؤدي إلى حل أزمة المناخ، لأن الاحتباس الحراري الذي يشهده العالم الآن هو نتيجة تراكم الغازات الدفيئة منذ عقود عديدة ماضية في الغلاف الجوي، وهذه الغازات لا تزال موجودة فيه، ولذا فإن تأثيرها سيستمر لسنوات، ولكن ما سيحدث - في حال حدوث انخفاض في الانبعاثات - هو منع زيادة كمية الغازات الموجودة بالفعل أو تقليلها، وآثار ذلك على الرغم من كونها إيجابية، فإن الأجيال الحالية لن تشهدها، أي أنها ستكون على المدى البعيد.
وبالعودة لتأثير كورونا في تغير المناخ، نجد أنه في الأزمات المماثلة - الأزمات الاقتصادية والحروب والأوبئة - التي شهدها العالم في الماضي نجد أنها على المدى القصير أدت إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، ولكن بمجرد انتهاء تلك الأزمات ومع تعافي الاقتصاد، ترتفع الانبعاثات مرة أخرى وبمعدلات أكبر مما كانت عليه قبل الأزمات. ومثال على ذلك الركود العالمي لعام 2008 الذي أعقبه انخفاض عالمي بنسبة 1% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ولكن في العام التالي مع بدء التعافي ارتفعت الانبعاثات بشكل استثنائي بسبب النشاط الاقتصادي، وزيادة الإنتاج والطلب. وبنفس الكيفية من المحتمل أن يكون الانخفاض في الانبعاثات بسبب انتشار الفيروس انخفاضاً مؤقتاً على المدى القصير، وبعد انتهاء الأزمة سيحدث ارتداد في معدلاتها، وخاصة إذا تسبب الفيروس في تراجع الاقتصادات، لأن ذلك قد يؤثر في الموارد المادية والإدارة السياسية اللازمين لحل أزمة المناخ.

تحديات أمام المكافحة

يطرح فيروس كورونا تحديات على المدى الطويل، أمام جهود تغير المناخ. فقد تؤدي الأزمة إلى توقف الاستثمارات في الطاقة المتجددة، التي تعد السبيل الوحيد لفصل الاقتصاد العالمي عن الوقود الأحفوري، فإذا أغلقت أسواق الأسهم - والتي تشهد تدهوراً بالفعل في الوقت الحالي- فسيكون من الصعب الحصول على التمويل اللازم للمضي قدماً في أي مشروع معلق يخص الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بل سيصعب أيضاً تقديم أي مقترحات لمشروعات جديدة في مجال الطاقة النظيفة. كما أن أزمة كورونا ستجعل تكاليف الإنتاج في القطاعات، التي تعتمد على الطاقة المتجددة أكبر من تلك التي تعتمد على الوقود الأحفوري، في ظل استمرار تراجع أسعار النفط العالمية، ومن بينها البنزين والذي سيجعل - على سبيل المثال - من العسير تصنيع وبيع السيارات الكهربائية لكونها أكثر كلفة، وهو ما تسبب في انهيار أسهم شركة «تسلا»، والتي تعد أول شركة عالمية لتصنيع السيارات الكهربائية. كما تسبب في انخفاض الإنتاج والإمدادات في الشركات الصينية التي تنتج النصيب الأكبر من الألواح الشمسية وتوربينات الرياح وبطاريات الليثيوم التي تستخدم في السيارات الكهربائية.
ويمكن للمخاوف الاقتصادية والصحية المتزايدة أن تصرف الانتباه العالمي عن أزمة تغير المناخ. ففي السنوات الأخيرة، أصبح تغير المناخ أولوية للعديد من الحركات الشبابية، وكذلك لنسبة كبيرة من السكان حول العالم ، وهو الأمر الذي أدى إلى تزايد الضغط على القيادات السياسية كي تتخذ إجراءات لمكافحة تغير المناخ، ولكن في خضم الانكماش الاقتصادي وأزمة الصحة العامة جراء تفشي فيروس كورونا، انصرف اهتمام الناس نحو المخاوف الصحية ووظائفهم. كما قد يتم استخدام الفيروس ذريعة لتأخير أو إلغاء سياسات الانتقال البيئي نحو الاستدامة. على خلفية هذا التحول، ستتأثر أزمة تغير المناخ سلباً.

تقليل استخدام المواصلات

وقد يؤدي فيروس كورونا إلى المساهمة في الحد من تغير المناخ إذا تسبب في تغيير دائم في السلوكيات المتعلقة بانبعاثات الكربون، على سبيل المثال الخوف من السفر بالطائرات أو السفن، وتفضيل العمل عن بُعد وعقد مؤتمرات افتراضية، وتقليل استخدام المواصلات، وبالتبعية الوقود الأحفوري، سيؤدي ذلك إلى إحداث التغييرات الاجتماعية التي يتطلبها تغير المناخ في ما يعرف بالوعي المناخي. ولكن ليس من السهل تحقق ذلك؛ لأن الناس تبدي استعدادها الآن لتبني تدابير لمكافحة فيروس كورونا أكثر شدة من التدابير الواجب تبنيها لتجب تغير المناخ، لأنهم يدركون أن الخطر الذي سيسببه الأول مرئي وملموس وآني، كما أنه يهدد بقاءهم، وهذا لا يحدث في حالة أزمة تغير المناخ، وإن كانت بعض آثارها الخطيرة ملموسة الآن، لكنها غير مدركة بنفس مقدار إدراك آثار الفيروس. هذا الإدراك لأزمة المناخ ليس فقط لدى الأفراد، بل الحكومات أيضاً التي كانت في وضع اختيار ما بين إعطاء الأولوية للاقتصاد أو لصحة السكان، مالت للخيار الثاني؛ لأنه في إدراكها أكثر بلاغة، وإن كان ذلك قد يؤدي إلى تراجع الاقتصاد، وهو ما يؤدي بدوره إلى انتشار الجوع والفقر ويؤثر بالتبعية في الصحة. ولكن هذا لم يحدث في أزمة تغير المناخ فظلت القوى الكبرى وأغلب الحكومات تعطي الأولوية للاقتصاد على حساب المناخ، لأن في إدراكها مخاطره أقل من مخاطر الانهيار الاقتصادي.
يضاف إلى ما سبق إدماج السياسات البيئية ضمن استراتيجيات مكافحة فيروس كورونا، واستمرار تطبيق تلك السياسات حتى بعد انتهاء الأزمة، لأننا لسنا في وضع اختيار ما بين قوانين تغير المناخ التي بدأت بعض الدول في وضعها، أو توفير الأموال لعلاج الأضرار الناجمة عن الفيروس.

* باحثة بالمركز العربي للبحوث والدراسات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"