عائشة عبدالرازق: بوفاة ابنتي أصبحت أماً لكل المعاقين

أنشأت أول مؤسسة خيرية لذوي الاحتياجات في "طوخ"
12:46 مساء
قراءة 5 دقائق

عائشة عبدالرازق اسم يعرفه جيداً كل ذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة طوخ شمال القاهرة والقرى المجاورة لها، حتى أطلقوا عليها لقب أم المعاقين، فقد عشقت هذه السيدة حياة البراءة مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وبكل حب وبعد رحلة كفاح وعلاج مع ابنتها المعاقة ذهنياً لمدة خمسة عشر عاماً وبعد فقدانها ابنتها، راحت تحول معاناتها إلى طاقة أمل لكل الأطفال أبناء هذه الشريحة من حولها .

نجحت عائشة عبدالرازق مدرسة البيولوجيا في المرحلة الثانوية والحاصلة على دبلوم خاص في طرق تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، بعد جهد في أن تنشئ أول مدرسة للتربية الفكرية في مدينتها طوخ تخدم المعاقين من أبناء مدينتها والقرى المجاورة، وتواصل عطاؤها فأنشأت أول جمعية خيرية في مدينتها أيضاً تخدم هذه الفئة وتعلمهم المهارات الأساسية من تخاطب وقراءة وكتابة وبعض المهارات والحرف البسيطة مثل صناعة السجاد وتعليب الأغذية وحياكة الملابس .

تخرجت عائشة عبدالرازق في كلية التربية قسم البيولوجيا، وعُيِّنت مدرِّسة لمادة الأحياء في إحدى المدارس الثانوية بمدينتها طوخ، وتزوجت رجلاً صالحاً يعمل في مصلحة الضرائب، وبدأ مشوارها مع العطاء الخيري لذوي الاحتياجات الخاصة، بعدما أنجبت مولودتها خلود التي ولدت مصابة بحالة تخلف عقلي مع نسبة شلل رباعي رعاش . وفي سنوات عمر خلود الأولى، وكأية أم في مثل حالتها، راحت عائشة تتنقل بمولودتها بين الأطباء ومصحات العلاج الطبيعي ودورات التخاطب في القاهرة، مفضلة أن تأخذ إجازة من عملها لكي تتفرغ لمتابعة علاج ابنتها .

تقول عائشة: على مدى السنوات الست الأولى من عمر ابنتي خلود تنقلت بها بين عدد كبير جداً من الأطباء ومراكز العلاج الطبيعي والتخاطب، حتى إنني كنت أسافر يومياً ولشهور متواصلة إلى القاهرة لمتابعة علاج ابنتي، وذات مرة نصحتني مدرسة من مدرسات التخاطب لابنتي أن ألحقها بإحدى المدارس الابتدائية القريبة من منزلي، وحتى أرعى ابنتي بشكل كامل عدت إلى عملي وتقدمت في حينها إلى وزير التربية والتعليم بأغرب طلب انتداب لمدرس، فقد طلبت أن أنتدب من مدرسة في المرحلة الثانوية إلى مدرسة في المرحلة الابتدائية لكي أكون بجوار ابنتي، وتمت الموافقة على طلبي، وظللت على هذا الوضع أربع سنوات كاملة أدرس لتلاميذ المرحلة الابتدائية، ومن بينهم ابنتي، إلى أن اكتشفت أن ابنتي لن تستفيد كثيراً بوجودها في هذه المدرسة، وأن التعليم العام لا يتناسب مع قدراتها العقلية، وأنه لابد من إلحاقها بمدرسة تربية فكرية . ولأن مدينتها طوخ لا يوجد بها مدرسة تربية فكرية واحدة رغم ارتفاع أعداد الأطفال من ذوي الإعاقة الذهنية من أبناء مدينتها والقرى التابعة لها الذين هم في أمس الحاجة إلى هذه المدرسة، وبعد أن نجحت في الحصول على دبلوم خاص في التربية الخاصة لذوي الاحتياجات الخاصة لكي تصقل قدراتها المهنية علمياً وتربوياً في طرق التعامل الأفضل مع أبناء هذه الفئة، فكرت عائشة في تأسيس هذه المدرسة .

تقول عائشة: كان من المستحيل علي، مثلي مثل كل أولياء أمور الأطفال المعاقين ذهنياً في مدينتي طوخ، أن ننتقل يومياً بأبنائنا مسافات طويلة جداً إلى القاهرة لكي يتعلم أولادنا في مدارس التربية الفكرية بها، لكن أيضاً كان من المستحيل أن اترك طريقاً يمكن أن يساعد ابنتي خلود على تجاوز إعاقتها إلا وأسلكه، لذلك بعد إلحاح شديد على المسؤولين في وزارة التربية والتعليم لإنشاء هذه المدرسة وافق الوزير في البداية لي ومعي مجموعة من الزملاء المخلصين مدرسي المدرسة الابتدائية التي انتدبت إليها وألحقت ابنتي بها على افتتاح فصلين ملحقين بالمدرسة يخصصان للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، على أن أقوم أنا ومعي بعض المدرسين الذين حصلوا على دراسات تربوية خاصة تؤهلهم لهذه المهمة بالتدريس في هذين الفصلين، وعندما أقبل أولياء أمور الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من أبناء طوخ والقرى التابعة لها على إلحاق أبنائهم بهذين الفصلين، ونظراً لطبيعة الخدمة المتميزة التي قدمها الفصلان، توسع الأمر شيئاً فشيئاً حتى تمكنا من إنشاء أول مدرسة تربية فكرية في مدينتنا طوخ تخدم أطفال المدينة من ذوي الإعاقة الذهنية وأمثالهم من أطفال أكثر من 45 قرية تابعة لها . وبعد أن استقرت خلود في مدرستها للتربية الفكرية وراحت تحرز تقدماً ملحوظاً في نمو قدراتها العقلية وتزداد كل يوم اعتماداً على نفسها في قضاء حاجياتها الأساسية، كانت أمها على موعد مع حدث غيَّر مسار حياتها .

تقول عائشة: كانت فرحتي كبيرة أنا وكل المخلصين ممن ساعدوني على إنشاء هذه المدرسة ونحن نرى أبناءنا ينتظمون في مدرسة التربية الفكرية الجديدة وزادت فرحتي وأنا أرى ثمرة جهدي طوال أكثر من خمسة عشر عاماً منذ مولد خلود تجنيها ابنتي وكل أقرانها، فقد بدأت خلود في الاعتماد على نفسها في قضاء كثير من احتياجاتها الشخصية وبدأت قدراتها العقلية تنمو شيئاً فشيئاً، لكن في ذلك الوقت حدث ما أحزنني كثيراً، مرضت ابنتي خلود وما هي إلا أيام قليلة وجدت زهرتي الصغيرة تذبل وتوافيها المنية وهي ابنة خمسة عشر عاماً وشهور قليلة . كان لوفاة خلود أثره الكبير على تغيير مسار حياة أمها فقد راحت عائشة تفكر في حالها مع ابنتها الراحلة، وكيف أنها كأم لم تجد من يرشدها إلى كيفية التصرف مع طفلتها ولا من يساعدها على تأهيل وتعليم ابنتها لكي تواجه مصاعب الحياة بما يتناسب وظروف إعاقتها، وشعرت بأن ما كانت تبذله من أجل ابنتها وما حدث من تغيير في سلوكيات وقدرات الصغيرة يجب ألا تتوقف عنه وأن توجه هذا المجهود من اجل كل أبناء مدينتها والقرى المجاورة ممن في مثل الحالة الصحية لابنتها الراحلة .

تقول عائشة: حادثت بعض القريبين مني من المخلصين وأصحاب الأيادي البيضاء وأولياء أمور أطفال معاقين وأطباء في الطريق الأمثل لمساعدة كل من يشبه حال صغيرتي الراحلة من أطفال مدينتي والقرى المجاورة، ووجدنا أن مدرسة تربية فكرية ليست كل ما كان ينقص هؤلاء الأطفال وانه من المهم وجود مؤسسة خيرية تسعى إلى تقديم الدعم والرعاية الصحية والتربوية لأبناء هذه الشريحة ولأسرهم، وعلى الفور بدأنا في إنشاء جمعيتنا كواحدة من أوائل الجمعيات الخيرية المتخصصة في رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في منطقتنا .

بداية عائشة مع إنشاء جمعيتها الخيرية لم تكن محفوفة بالورود، فقد واجهها الكثير من المشكلات، تقول عنها: أهم هذه المشكلات التي واجهتنا عند تأسيس الجمعية هو ضعف مواردنا المادية بداية من القدرة على إيجاد المكان الذي نقيم فيه جمعيتنا بالمواصفات التي تتناسب مع طبيعة نشاطنا، فنظراً لأننا لم نكن نملك أموالاً كافية للحصول على مكان فسيح نبني فيه المبنى المطلوب ولا حتى أموالاً نستأجر بها مكاناً متسعاً، بدأنا نشاطنا من غرفة واحدة وصالة والحمد لله توسعنا حتى أصبح لنا الآن مكان مناسب نمارس فيه نشاطنا، وإن كنا نطمح على المدى القريب إلى توسعة هذا المكان ليلبي جميع احتياجات الأطفال المعاقين المترددين علينا، كذلك واجهتنا مشكلة الكوادر المساعدة لنا والمتخصصة في ذوي الاحتياجات الخاصة ليس في وجودها فقط وإن كان نادراً، بل أيضاً في قيمة ما سوف يتقاضونه من رواتب وإن خفضت لتصبح رمزية جداً، وتجاوزنا هذه المشكلة أيضاً بتدريب عدد من المتطوعات وكذلك مساعدة عدد من أصحاب الأيادي البيضاء من أهالي طوخ وتغلبنا على مشكلة الأثاث بالاستعانة في البداية ببعض الأثاث القديم من أثاثنا المنزلي .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"