عزل ترامب.. ثلاثة سيناريوهات

03:16 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. إكرام بدرالدين *

تشهد الولايات المتحدة منذ أسابيع إجراءات وتدابير لعزل الرئيس ترامب، وذلك وفقاً للقواعد التي يقرها الدستور الأمريكي في هذا الشأن، مع ملاحظة أن عملية عزل الرئيس على الرغم من إمكانية حدوثها من الناحية النظرية، إلا أنها تعتبر نادرة للغاية من الناحية العملية، حيث إنه من المتصور أن تتخذ الإجراءات الخاصة بالعزل من دون أن يترتب عليها العزل الفعلي للرئيس، وهو ما نعرض له من خلال المحاور التالية:

* أولاً، قضايا وتوترات سياسية :

تشهد الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ بداية عهد الرئيس الجمهوري ترامب العديد من المواجهات السياسية والاتهامات المتبادلة بين المعسكرين والحزبين الديمقراطي والجمهوري، فالحزب الجمهوري الذي يعتبر الحزب الحاكم في الولايات المتحدة وفقاً للمفهوم الأمريكي، أي الذي ينتمي إليه الرئيس وليس بالضرورة أن يسيطر حزب الرئيس في النظام الأمريكي على السلطة التشريعية، أي الكونجرس بمجلسيه (الشيوخ والنواب)، فقد يسيطر على أحد المجلسين دون المجلس الآخر، كما هو الحال حيث يسيطر الحزب الديمقراطي المعارض على أغلبية مجلس النواب، وعلى الرغم من ذلك يطلق على الحزب الجمهوري اصطلاح حزب حاكم، لأنه الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس، وربما كان
أول هذه الاتهامات عقب فوز الرئيس ترامب في الانتخابات الرئاسية يتعلق بتدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية لمصلحته. ثم شهدت الولايات المتحدة درجة من الشد والجذب بين الرئاسة ومجلس النواب نتيجة لإدلاء الرئيس الأمريكي ببعض التصريحات ضد عدد من أعضاء الكونجرس، والدول التي ينتمون إليها في أصولهم، وفسرت هذه التصريحات بكونها تنطوي على نزعة عنصرية، ولعل أخطر هذه المواجهات ما أثير مؤخراً من اتهامات للرئيس باستعانته بطرف خارجي (أوكرانيا) لمساعدته ضد خصومه السياسيين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة في 2020، وما أدى إليه ذلك من اتخاذ بعض الإجراءات داخل الكونجرس، والتي يمكن في حالة استكمالها أن يترتب عليها عزل الرئيس.

* ثانياً .. فصل السلطات والعزل الرئاسي:

تأخذ الولايات المتحدة في نظامها في الحكم بمبدأ الفصل بين السلطات، ويقصد بذلك أن لكل سلطة من السلطات الثلاث التنفيذية، والتشريعية والقضائية مجالها الخاص، والذي لا تتدخل فيه السلطات الأخرى، ولكن يلاحظ أنه من الناحية العملية، فإن الفصل بين السلطات ليس مطلقاً أو جامداً، لأنها جميعاً تنتمي إلى نظام واحد، ولذلك يمكن للرئيس الأمريكي في بعض الأحيان أن يصدر مراسيم رئاسية لها إلزامية القانون، أي يمكن ممارسة مهام تشريعية على الرغم من أن الاختصاص التشريعي يكون في الأصل للكونجرس، كذلك يتطلب الأمر في بعض التعيينات في مناصب معينة موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي، على الرغم من أن التعيين في الأصل من اختصاص السلطة التنفيذية، ويمكن أن يندرج في ذلك أيضاً إجراءات عزل الرئيس الأمريكي، ووفقاً لحالات معينة يحددها الدستور الأمريكي، وإن كانت تعتبر غير مألوفة أو متكررة في النظام الأمريكي، ويمكن اعتبارها حالات من النادر اللجوء إليها حيث أثيرت حديثاً في عامي 1973 و1998 مع الرئيس نيكسون عقب تداعيات قضية ووترجيت، والرئيس كلينتون حول طبيعة علاقة مع متدربة في البيت الأبيض، وأثيرت من قبل مع الرئيس أندرو جونسون الرئيس ال 17 للولايات المتحدة ولم يترتب على الإجراءات المتخذة عزل كلينتون، أما الرئيس نيكسون فقد استقال من منصبه بمعنى أنه لم يُعزل.
وتثار في الآونة الراهنة قضية عزل الرئيس ترامب نتيجة الشكوك حول طبيعة علاقته مع أوكرانيا، والضغط عليها وفقاً للتسريبات وأقوال بعض الشهود، سواء من الناحية الاقتصادية أو في شكل مساعدات وأسلحة من أجل توجيه اتهامات لابن نائب الرئيس الأمريكي الأسبق جو بايدن، وذلك بهدف التأثير في فرص الأخير الذي يعتبر من المرشحين الأوفر حظاً في المعسكر الديمقراطي للترشح في الانتخابات الرئاسية في 2020، ولذلك فقد وجهت اتهامات من الديمقراطيين للرئيس ترامب بأنه يحاول استغلال منصبه لتحقيق منفعة شخصية، ويستعين بطرف خارجي للتأثير في تطورات سياسية داخلية في الولايات المتحدة، وقد شهدت إجراءات عزل الرئيس الأمريكي تطورات متلاحقة في الآونة الراهنة، حيث وافق مجلس النواب على علانية الجلسات المتعلقة بإجراءات العزل، ومعنى ذلك أن يتم نقل الإجراءات عبر الشبكات التلفزيونية، وهو ما يتيح للمواطنين الأمريكيين التعرف إلى تفاصيل الجلسات ومتابعتها، كذلك تم استدعاء بعض الشهود من الدبلوماسيين الأمريكيين ذوي الصلة بهذا الموضوع للاستماع إلى شهادتهم، ومنهم السفير الأمريكي في أوكرانيا، وأحد كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية.

* ثالثاً.. السيناريوهات المتوقعة:

يحدد الدستور الأمريكي الإجراءات والخطوات التي يتطلب الأمر اتخاذها لعزل الرئيس الأمريكي، وتتمثل في موافقة مجلس النواب بالأغلبية على اتخاذ إجراءات عزل الرئيس، أي على توجيه اتهامات رسمية لترامب، وتأتي عقب ذلك الخطوة الثانية في مجلس الشيوخ، وهي إدانة ترامب في التهم الموجهة إليه وعزله من منصبه، وتكون هذه الإدانة بأغلبية خاصة من أعضاء مجلس الشيوخ، وهي أغلبية الثلثين، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى ثلاثة سيناريوهات متوقعة وهي:
السيناريو الأول: ويتمثل في اتباع الإجراءات اللازمة للعزل، وفقاً للدستور الأمريكي، والمتمثلة في موافقة أغلبية مجلس النواب (نصف الأعضاء+1)، وموافقة مجلس الشيوخ على إدانة الرئيس بأغلبية خاصة (الثلثين) وأن يُعزل الرئيس، وأعتقد أن هذا السيناريو قد يكون ضعيف الاحتمال من الناحية الواقعية، وذلك نظراً لأن مجلس الشيوخ يسيطر عليه الحزب الجمهوري، والذي ينتمي إليه الرئيس، ولكي يتم الوصول إلى النسبة المطلوبة للعزل وهي الثلثين يتطلب الأمر أن يصوت عشرون عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين مع أعضاء المجلس من الديمقراطيين على إدانة الرئيس ترامب وعزله، وهو أمر شديد الصعوبة.
السيناريو الثاني: وهو السيناريو الأرجح ألا يتم الوصول إلى النسبة المطلوبة في مجلس الشيوخ للموافقة على الإدانة والعزل، وهي نسبة الثلثين وبالتالي يفلت الرئيس من العزل.
السيناريو الثالث: الأثر الجماهيري للإجراءات المتعلقة بالعزل في حد ذاتها حتى لو لم يترتب عليها عزل الرئيس فعلياً، بمعنى أن هذه المحاكمة في حد ذاتها ونقلها للرأي العام على الأرجح يترتب عليها تأثير سلبي في الناخب الأمريكي، وإضعاف نسبي في موقف الرئيس ترامب في الانتخابات الرئاسية 2020.
ويتوقع خلال الفترة القريبة القادمة أن يتبين بوضوح السيناريو الأكثر واقعية والأكثر قابلية للتحقيق.

* أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"