«30 يونيو» والأيام الفاصلة

04:23 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود حسونة

يوم فاصل، غيّر فيه المصريون واقعهم الرديء، وثاروا على فساد دولة المرشد وصناع الفوضى الهدامة، ورفضوا أن يكونوا لقمة في أفواه المتربصين بهم وبالأمة.

في تاريخنا أيام فاصلة، أيام يخلدها التاريخ لنستعيد أحداثها بشكل دوري، وتتعلم من دروسها الأجيال، وتكون شاهداً للاحقين عما فعله السابقون، أيام نحتفي بها ونفخر ونفاخر بها أمام أنفسنا وأبنائنا، ثم أمام الآخرين.

من الأيام الفاصلة في التاريخ المصري والعربي القريب «٣٠ يونيو ٢٠١٣»، يوم أكد فيه المصريون أن الإنسان عندما يرتكب خطأً في حق نفسه يمكنه أن يعود عنه ويصلح ما أفسده بنفسه، فسرعان ما أدركوا أنهم ارتكبوا خطيئة كبرى عندما جاؤوا بالإخوان المتأسلمين إلى سدة الحكم، واكتشفوا حقيقة أنهم «ليسوا بتوع ربنا» كما كانوا يرددون ولكنهم «بتوع الشيطان»، وأنهم ليسوا سوى جماعة انتهازية لا تريد للدولة صلاحاً ولا تبغي سوى أن تتمكن من مفاصلها وتسيطر على قرارها، وتتحكم في إرادتها لتسلمها إلى أعداء الخارج مهدمة ضائعة، فيعيدون تشكيلها وفق مخططاتهم الهادفة إلى هدم المنطقة بالكامل، والعودة بها إلى مجاهل التاريخ بهدف إحياء إمبراطورية التخلف والجهل والاستبداد والاستئساد على رعاياها باسم الدين.

يوم فاصل، غيّر فيه المصريون واقعهم الرديء، وثاروا على فساد دولة المرشد وصناع الفوضى الهدامة، ورفضوا أن يكونوا لقمة في أفواه المتربصين بهم وبالأمة، وخرجوا إلى الشوارع لإسقاط نظام الحكم الإخواني الفاشي، خرجوا مصرّين على عدم العودة إلا ومطلبهم متحقق؛ وفي غضون أيام ثلاثة تحققت إرادتهم، وسقط المرشد وجماعته وزبانيته، بفضل التقاء إرادة جموع المصريين مع إرادة قواتهم المسلحة وأجهزتهم الأمنية ورموزهم الدينية، بعد أن فاض الكيل من ممارسات القصر الرئاسي والمتحكمين فيه، وكادت الدولة أن تسقط من عليائها التاريخي، بعد أن أرادوا لها أن تصبح نسياً منسياً.

عام أسود حكم فيه الإخوان، ووضعت ثورة ٣٠ يونيو حداً لسواده، بعد أن نفض الشعب غبار أوهامه وتعاطفه مع جماعة لم ترد له الخير على مدار ٨٥ عاماً، ولم تزرع في مصر سوى الفتنة والفوضى، وروت أرضها بدماء أبنائها الرافضين للجماعة الذين لم تنطلِ عليهم أكاذيبها الدينية وتجارتها باسم الله الرحمن الرحيم، وباسم الإسلام الذي لم يقبل بوسطاء بين العبد وربه ولا بوكلاء عن الله على الأرض.

بعد أن سقط حكم المرشد، وبعد فضّ اعتصام الفتنة في رابعة، اختبأ رموز الإخوان كما الفئران في جحورهم الداخلية والخارجية، وأطلقوا يد إرهابيّيهم وعناصرهم المدربة على ترويع حياة الآمنين للنيل من الدولة والجيش والشرطة والناس، وهو النهج الذي ما زالوا يسيرون عليه حتى وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة أمس واليوم، لأنهم يعون جيداً أن لا مكان لهم غداً على خريطتنا الاجتماعية ولا على خريطة العالم السياسية، بعد أن افتضح أمرهم وتم تصنيفهم «إرهابيين» في عديد من الدول.

سندهم أردوغان أصبح ملفوظاً عالمياً بعد أن فضحت سياساته الداخلية حجم أنانيته وديكتاتوريته، وفضحت سياساته الخارجية حجم أطماعه في ليبيا وسوريا والعراق وأحقاده على مصر والإمارات والسعودية وما خفي أعظم، وهذه السياسات لن يجني منها سوى الهلاك له ولكل تابعيه، ولعله سيكون في يوم قريب.

ونحن نحتفل بالذكرى السابعة لثورة ٣٠ يونيو، ليتنا نستحضر أوضاع المصريين وأحداث العام الأسود، ونعطي لأنفسنا حق تخيل حياتنا ومكانة مصرنا عالمياً لو لم تتم إزاحة حكم المرشد. تخيلوا حال الداخل، اقتصادياً حلّ علينا الخراب قبل سقوطهم، وعشنا في ظلام دامس في عهدهم، وعانينا في الحصول على الطعام والشراب، وعجزنا عن توفير الوقود اللازم لسياراتنا، وتعليمياً بدأوا العبث بالمناهج الدراسية لحذف ما يفضح ممارساتهم التاريخية واستبداله بما يكرس وجودهم، أمنياً أطلقوا سراح أشقائهم ومواليهم أمراء الإرهاب من السجون لترويع الآمنين ونشر الفوضى.

سياسياً، أصبحت مصر التاريخ والحضارة أضحوكة العالم، وأصبح رئيسها مادة للتندّر في وسائل الإعلام العالمية، وأصبحنا في ذيل دول العالم في كل المؤشرات الاقتصادية والسياسية، ولعل كل ذلك كان مطلوباً حتى يسهل تسليمنا لسلطان امبراطورية الوهم العثمانية.

٣٠ يونيو هو أكثر الأيام التي يكرهها الإخوان، وسيظل بالنسبة لهم الكابوس الذي قضى على حلم اشتغلوا على تحقيقه أكثر من ثمانية عقود من الزمن، وسيظل إعلامهم والإعلام الموالي والمتضامن معهم ينبح، فيما مصر الكرامة والتحدي تضع نقاط الحسم والحزم على ما يحدث من تجاوزات أعداء الأمة والطامعين في خيراتها والمتربصين بإرادتها، لعلها تضيف أياماً فاصلة جديدة إلى تاريخها المملوء بالأيام الخالدة، والتي صنعتها معارك فرضت علينا أشكالاً من مستعمرين وطامعين، وكنا لها مستعدين وجاهزين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"