أوروبا و«المصلح القرني»

03:00 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

ربما يتذكر الأوروبيون لوقت طويل قمة التسعين ساعة التي عقدها قادة الاتحاد مؤخراً وتوصلت إلى صفقة تاريخية بقيمة 750 مليار يورو للتعافي من آثار وباء كورونا لإصلاح الأضرار غير المسبوقة التي لحقت بالاقتصاد والمجتمعات وسممت العلاقات السياسية. وإذا كان الاتفاق كبيراً ويضاهي، من حيث رمزيته، «مخطط مارشال» للإعمار بعد الحرب العالمية الثانية، فإنه لم يحجب الانقسامات المستمرة، ولم يقض على المخاطر والتهديدات المستمرة لبقاء التكتل.

على مدى عمر الاتحاد الأوروبي لم تكن قمم قادته، بما فيها المصيرية، تتجاوز بضع ساعات في يوم واحد، ولكن عندما تمتد إلى نحو أربعة أيام ويلجأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الضرب بيده على الطاولة، فدلالة ذلك أن هناك مشكلة كبرى تواجه وحدة الاتحاد، تعززها حالة التململ في الأوساط السياسية والمنظمات ذات التوجه الشوفيني، بعدما شحنت أزمة «كوفيد-19» نعرات العزلة والانغلاق وأحيت روح الوطنية داخل الدولة الواحدة، وذلك بعدما عجز العمل الجماعي طيلة أشهر الجائحة عن إيجاد مقاربة شاملة تترجم التكامل والتعاون المنصوص عليهما في الوثيقة التأسيسية للاتحاد الأوروبي. وربما يعود ذلك إلى أن الكارثة الصحية قد أخذت العالم على حين غرة، ولم تسمح بالتقاط الأنفاس والتفكير في المجابهة المشتركة، لا سيما في تلك الأسابيع السود التي كان فيها الآلاف في أوروبا يقضون يومياً تحت تأثير الوباء، وهو ما شكل فضيحة سياسية لمعظم الحكومات.

لقد تكبدت أوروبا خسائر فادحة في الأرواح والاقتصاد في المعركة القاسية ضد فيروس كورونا. والأرجح أنها ستدفع ثمناً سياسياً باهظاً حتى وإن تم تطبيق خطة التعافي بنجاح، ففي الوقت الذي ما زال فيه الوصول إلى اتفاق بين بروكسل ولندن متعثراً بشأن تنفيذ «بريكست» آمن ومريح للجميع، بدأ الفكر السياسي الأوروبي يبحث عن بدائل للأحزاب المتصدرة للمشهد وأغلبها أحزاب عتيقة لم تعد تواكب هذا العصر ولا تستوعب تحديات. ومع الأسف أن أغلب الأفكار تنحرف إلى أقصى اليمين المتطرف. ومن ضمن التداعيات السيئة لقمة الإنقاذ الأخيرة والتشابك الذي حصل أثناءها، ها هو السيناتور الإيطالي جانلويجي باراغونه يعلن تأسيس حزب جديد اختار له من الأسماء «إيطاليكست» ويرمي إلى تحقيق خروج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي مثلما فعلت بريطانيا، وينضم هذا الحزب إلى حزبي «النجوم الخمس» و«رابطة الشمال» الشعبويين، وهم يناصبون العداء معاً كل علاقة مع بروكسل.

كل هذه التطورات تشير إلى أن المزاج الأوروبي العام يتغير. وقد تفشل الصفقة المالية الضخمة في ترشيده إلى المسار الاتحادي إذا لم تتحقق نتائجها سريعاً ويراها المواطن الأوروبي حقيقة واضحة في الواقع. والأكثر من إنقاذ الاقتصاد، يجب إنقاذ الفكر السياسي من الانحراف مع الأخذ في الاعتبار التأثيرات القائمة والمستجدات المحتملة. وللخروج من هذا المأزق ربما تحتاج أوروبا إلى «مصلح قرني» ينقذها مما هي فيه، ولا يشترط أن يكون هذا المصلح شخصاً، وإنما فكراً جديداً ومقاربة مختلفة تأخذ في الحسبان التغيير المتربص بالعالم أجمع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"