يلعب المسرح دوراً تعليمياً، ويسهم في إثراء المعرفة وبناء وعي مجتمعي. إن مسارح الدولة مقلة في إلقاء الضوء على مشاهد من تاريخ الحضارة الإسلامية. إن بزوغ الحضارة الإسلامية هو نتاج أسهم فيه كل من المسلمين والمسيحيين واليهود؛ لذا وجب تسليط الضوء على الحضارة الإسلامية عبر مسارح الدولة، ومن الجدير بالذكر أن هناك نقصاً عاماً في فهم سياق التاريخ الإسلامي، والذي يعدّ جزءاً من هوية المسلم، وبحكم اهتمامي بمادة التاريخ لاحظت أثناء تدريسي للمادة بالمراحل الجامعية فجوة في فهم السياق التاريخي، وجهلاً بأهم المنعطفات التاريخية، وهذا يحدث فجوة في فهم وربط الماضي وعلاقته بالحاضر لدى الطالب، فإلقاء الضوء على أسس ومبادئ الحضارة الإسلامية يجعل الطالب يشعر بالفخر أنه جزء من هذه الحضارة.
إن إدارة الحكم العربي في بلاد الأندلس لم تكن متعصبة للدين الإسلامي، ولم تكن تميز بين الناس، بل كانت تقوم على أساس الحوار والتسامح والتعايش مع أصحاب الديانات الثلاث. وإن ما يسمعه ويشاهده الفرد عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة عن الإسلام السياسي والإرهاب ليس له علاقة بالتاريخ الإسلامي. إن توظيف تاريخ الحضارة الإسلامية عبر مسارح الدولة، يبين كيف تفاعل وتعايش أصحاب الديانات الثلاث لمدة 8 قرون في ظل الحكم الإسلامي. ويمكن ذكر بعض الأمثلة عن مظاهر التسامح الديني تاريخياً:
يؤكد المستشرقون أن العرب الفاتحين لم يفرضوا دينهم على سكان شبه جزيرة إيبيريا (الأندلس)، ولم يهدموا كنائسهم ولا معابدهم، بل حافظوا على أماكن العبادة، وتذكر العديد من المصادر التاريخية أن العرب ساهموا في بناء مساكن لليهود عرفت ب «الأحياء اليهودية» Barrios judíos والتي أصبحت مزاراً للسيّاح في إسبانيا بعد أن تم طرد المسلمين واليهود على يد الملكين الكاثوليكيين فرديناند وإيزابيلا عام 1492.
اعتمد الخلفاء المسلمون على عناصر غير مسلمة في تأدية مصالح الدولة، فعلى سبيل المثال عين الخليفة المستنصر إبراهيم بن يعقوب «الإسرائيلي الطرطوشي»؛ لتأدية مهمات دبلوماسية لحنكته وإتقانه عدة لغات، كما أن الإمارات اعتمدت على عناصر أجنبية وعربية في بناء الدولة.
لو تعمقنا في تاريخ الحضارة الإسلامية في الأندلس لوجدنا أن الإمارات اتخذت التسامح الديني في الأندلس مثالاً لتسير عليه. فحينما أنشئت وزارة التسامح كان الغرض منها تعزيز مفاهيم وقيم متأصلة في تاريخ الإسلام، وأهمها التسامح الديني بين المسلمين وغير المسلمين، والإمارات دأبت على احترام أصحاب الديانات الأخرى قبل نشأة الاتحاد، حيث بُنيت أول كنيسة فيها عام 1965. وفي الوقت الحالي، وصل عدد الكنائس في الدولة إلى 35 كنيسة. وبني أول معبد هندوسي في أبوظبي في عام 2019. وكذلك مشروع بيت العائلة الإبراهيمية الذي يتضمن كنيسة ومسجداً، هو خطوة لتعزيز مسارات تبادل الحوار والأفكار بين أتباع الديانات، وهذا المشروع سيرى النور في عام 2022.
إن من أهم وظائف العمل المسرحي، الدور التثقيفي والمعرفي؛ لذا وجب على المؤسسات التعليمية التعاون مع إدارة المسارح بالدولة من أجل إحياء التاريخ الإسلامي، كما أن توثيق الأعمال المسرحية يبرز إسهامات الحضارة الإسلامية، وسوف يبني جسوراً لحاضر، ويعزز هوية الطالب بماضيه، ويدعم مواقف الإمارات في نشر السلام والتسامح.
د. نورة صابر المزروعي
مقالات أخرى للكاتب
![صحيفة الخليج صحيفة الخليج](/sites/default/files/2022-09/share-image.png)
![صحيفة الخليج صحيفة الخليج](/sites/default/files/2022-09/share-image.png)
![صحيفة الخليج صحيفة الخليج](/sites/default/files/2022-09/share-image.png)
![صحيفة الخليج صحيفة الخليج](/sites/default/files/2022-09/share-image.png)
قد يعجبك ايضا
![4.5 مليون درهم أرباح «رابكو للاستثمار» النصفية 4.5 مليون درهم أرباح «رابكو للاستثمار» النصفية](/sites/default/files/2024-07/6166996.jpeg)
![](/sites/default/files/2024-07/6166984.jpeg)
![](/sites/default/files/2024-07/6166981.jpeg)
![](/sites/default/files/2024-07/6166979.jpeg)
![](/sites/default/files/2024-07/6166947.jpeg)
![](/sites/default/files/2024-07/6166972.jpeg)
![](/sites/default/files/2024-07/6166968.jpeg)