الضم يشغل ترامب أكثر من الجائحة

04:42 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

ترامب يأمل أن يشكل دعمه اللامحدود ل«إسرائيل» رافعة له في الانتخابات الرئاسية بعد أن تضرر موقفه داخلياً بسبب الفيروس.

يبدأ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو غداً الأربعاء زيارة إلى «إسرائيل» في خضم جائحة كورونا التي تعصف بالعالم خاصة الولايات المتحدة. ومن الغرابة بمكان أن يقوم وزير دولة عظمى تفقد يومياً أكثر من ألفي ضحية بسبب الفيروس بزيارة خارجية لتهنئة حليفها نتنياهو بتشكيل حكومة جديدة وبحث الوعد الأمريكي بتأييد ضم نسبة كبيرة من الأراضي الفلسطينية في الضفة إلى السيادة «الإسرائيلية» في سياق تفاوض مع الفلسطينيين لاحقاً وليس أحادياً.

ولعل من قراءة تصريحات بومبيو الأخيرة حول الأغوار والمستوطنات ووصفه الضم بأنه أمر داخلي «إسرائيلي» وكررها سفيره اليهودي المستوطن ديفيد فريدمان، نتذكر مشهداً من فيلم أمريكي يروي قصة الإفراج عن زعيم قبيلة من الهنود الحمر قاوم استيطان البيض وعودته إلى أرضه بقرار رئاسي أمريكي في أواخر القرن التاسع عشر، لكن مرافقه الذي تعهد بحمايته وهو ضابط سابق، واجه رجلاً يدعي ملكية الأرض مع أبنائه ويزعم أن الأرض للبيض المستوطنين وهدد بقتل من وصفه بالهمجي صاحب الأرض، وعندما لوح الضابط بقرار الرئيس سخر منه مدعي الملكية المستوطن الأبيض وفتح النار على الضابط والهندي الأحمر ومرافقيه. وفي حالة بومبيو فإنه يأتي بقرار رئاسي منتصراً للمستوطنين اليهود على أصحاب الأرض الذين قال السفير إنهم لن يحصلوا على دولة إلا إذا تحولوا إلى كنديين، أي أنه كالمستوطن الأبيض الأمريكي أراد القول إن الفلسطينيين همجيون ولكن بطريقة خبيثة ماكرة.

السفير الأمريكي في حديثه الصحفي لصحيفة «إسرائيل اليوم» لصاحبها ملك الكازينوهات في لاس فيجاس شيلدون أدلسون ممول الاستيطان والمتبرع ببناء السفارة الأمريكية في القدس تحدث من موقع كأنه ليس سفيراً لدولة كبيرة بل ناطقاً باسم نتنياهو. وقال إنه يتفهم موقف اليمين «الإسرائيلي» الذي «ليس بإمكانه الموافقة على دولة فلسطينية»، تقام في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ورغم أن خطة «صفقة القرن»، التي كان فريدمان أحد المبادرين إلى وضعها في إدارة ترامب، لا تطرح دولة فلسطينية قابلة للحياة، اعترف فريدمان أن مسؤولية ترسيم خرائط الضم تركت للاحتلال وحده وهو الذي ينبغي أن يقرر ما هي مصلحة «إسرائيل». والمبدأ هو أن المنطقة «الإسرائيلية» لن تكون أكبر من 50% من المنطقة المصنفة ج، أي 30% من مجمل الضفة الغربية. ووصف فريدمان ما يتبقى من أرض بعد الضم بمثابة تنازلات «إسرائيلية» للفلسطينيين وهو ما سبق وقاله الملياردير روتشيلد عندما قال إن «إسرائيل» أبدت كرماً غير مسبوق للفلسطينيين بمنحهم أرضاً منها.

الفكر الاستيطاني للعرق الأبيض والنظرة العنصرية الدونية للآخرين من أصحاب الأرض نجدها واضحة في خطابي بومبيو وفريدمان لأن ترامب هو الذي بدأ هذا النهج الاستعلائي في التعاطي مع القضايا التي تهم العرب واستخف بالفلسطينيين أيما استخفاف بينما فشل في صولاته الخارجية مع الصين وكوريا الشمالية وفي سوريا والعراق وأفغانستان وغيرها. ولعل الرئيس ترامب يأمل أن يشكل دعمه اللامحدود لدولة الاحتلال رافعة له في الانتخابات الأمريكية الرئاسية بعد أن تضرر موقفه داخلياً بسبب فشله في إدارة أزمة فيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية على المواطن الأمريكي وقد يعوض ذلك بالنجاح في إدارة فيروس الضم الاستيطاني.

في مقابل الفزعة الأمريكية لصالح الاحتلال لتنفيذ العدوان الزاحف على الشعب الفلسطيني، نجد الجانب الفلسطيني غير قادر على الحراك بسبب الشلل الدبلوملسي عالمياً نتيجة الإجراءات المتخذة لمواجهة الجائحة، وحتى الوضع الداخلي الفلسطيني ما زال يراوح مكانه ولم يتفق الفلسطينيون على التوحد لا لمواجهة الاحتلال والضم ولا لمواجهة الجائحة. وبينما تدعو «حماس» إلى التصعيد ميدانياً في الضفة، نجدها منغمسة في ترتيبات مع الاحتلال بحجة مواجهة الفيروس وكذلك ضمن صفقة الأسرى، فالعلاقة بين «حماس» والاحتلال تبادلية مصلحية، الهدوء مقابل الدولارات وإدخال معدات طبية وتبادل الأسرى الخ.

أما السلطة فباتت رهينة المحبسين، محبس الفيروس الذي يقلقها بشدة لعدم توفر التجهيزات الطبية الكافية في حالة تفشيه بقوة، ومزاج الكيان الذي لا يؤمن العمال لديه من كورونا الذين باتوا ناقلين للفيروس من أماكن عملهم لدى الاحتلال، فانتشار الفيروس داخل الكيان أكثر من العرب وفي الضفة أقل بكثير. ولذلك فإن الاحتمالات مفتوحة للأسوأ لاحقاً مع اشتداد الأزمة الاقتصادية الفلسطينية. ولعل قراءة متأنية لتصريحات إيهود باراك الأخيرة عن مفاوضات كامب ديفيد وتفاخره بأنه لم يقدم أي تنازل للراحل ياسر عرفات وتوجيهه تهديدات له، توضح أن الاحتلال، بدعم أمريكي لا يريد سلاماً بل استسلاماً وهو ما يعمل عليه الآن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"