المغتربون مجدداً..

05:13 صباحا
قراءة دقيقتين

جمال الدويري

هل هناك حنين أكثر من الحنين إلى الأهل والوطن، الوالد والولد؟
كم من البشر تقطعت بهم السبل في بلاد الله بسبب «كورونا»! وكم من مغترب قتله الشوق والحنين بعد أن تبددت أحلامه بالإجازة.
«كورونا» كشفت المعادن الأصيلة للبلدان والبشر على السواء، فبعض الدول تفننت في خدمة أبنائها في ظرف «كورونا» الاستثنائي، وعلى سرد تعدادها تتربع الإمارات، بلا منازع، على رأس الهرم، فسيّرت الطائرات ليس لاستعادة أبنائها فحسب، بل لإرجاع المقيمين ممن لديهم ظروف استثنائية، وإعادة من «تستقبله بلاده» إلى موطنه.
الكثير من المغتربين، ومن جنسيات عدة، عتبوا على بلادهم، لأنها لم تلق لهم بالاً، فليس كل مغترب قادراً ومرتاحاً في غربته؛ فبعضهم تقطعت بهم السبل، وفقدوا وظائفهم، وأصبحت كلف الحياة باهظة جداً عليهم.
المغترب، لم يترك أهله وبلاده لو وجد وظيفة فيها، فلا عليك من سيارته الكبيرة، فهي بسعر سيارتك، لكنها بلا جمرك، ولا عليك من طريقة كلام أولاده فهم تربية «الخدم» أو انعكاس لواقع تعليمي فيه عشرات اللغات واللهجات، ولا عليك من ملابسه، فهي جديدة اشتراها لإجازته لأنه في «عيد».. عيد الفطر وعيد الأضحى وعيد الفصح وكل الأعياد لأنه بينكم.
بعض المغتربين، وللأسف يتعرضون للكثير من التنمّر في بلادهم، وينظر إليهم على أنهم مخلوقات غريبة، عائدين حاملين حقائب الضجر و«التكبّر»، وهم لا يعرفون أنهم مساكين يحملون الشوق في أضلاعهم أينما حلوا، وقلوبهم مفطورة دائماً على أهلهم وبلدانهم، كلما رأوا من هم أفضل حالاً منهم، وهم في نهاية المطاف، فيهم الأب والابن والأخ، يشتاقون إلى من تركوهم، ويعدون الساعات لرؤيتهم.
الظرف استثنائي، أكبر من طاقة الدول، والمطارات كانت مصدر البلاء بسبب التنقل. كل هذه الأجوبة معروفة، لكن أليس من باب تطييب الخواطر، الشرح لهؤلاء المغتربين عن طبيعة الظرف، عبر توجيه خطاب يخصهم، أو الشدّ على السفارات والقنصليات للتواصل مع أبنائها، والسؤال عن أحوالهم.
ألم يكن حرياً بوزراء الخارجية أن يرافقوا زملاءهم وزراء الصحة والإعلام، خلال المؤتمرات الصحفية، لينقلوا إلى المغتربين تحيات حكوماتهم والدعوة للتحمل، أو إعلامهم بفتح تطبيق هاتفي للتواصل معهم أو إرسال «رسائل نصّية» أو تخصيص خط ساخن لتلقي شكاواهم، بدل هواتفهم الصدئة التي لا يردّ عليها أحد؟
الحكومات الرشيدة، وحتى تكون رشيدة، عليها أن تيسر سبل الاغتراب لأبنائها، فليس لديها وظائف لهم، ولا هي قادرة على تحمل كلفة العائدين.
ومن قال إن البعيد عن العين، بعيد عن القلب، فهو مخطئ، لأن البعيد عن العين، يسكن في شغاف القلب.
الحنين إلى الوطن لا يحتاج إلى طائرة أو جواز سفر، أو وزير يطمئن، يحتاج إلى ذاكرة فقط..
ذاكرة ترجعك إلى اللحظة التي وضعت يدك في يد أمك ليلة سفرك، وقبضت على راحتها لتقبلها؛ ألم تشمّ من بين حنايا أصابعها رائحة الجنة؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مساعد مدير التحرير، رئيس قسم المحليات في صحيفة الخليج

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"