اللاطيب واللافائز ودروس التاريخ

04:21 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود حسونة

دروس الحاضر لم تخدعنا وتؤكد لنا أن أردوغان أكثر سوءاً من أجداده، وأكثر طمعاً من كل سابقيه من سلاطين الوهم العثماني.

قالوا أننا أمة لا تقرأ، وإذا قرأت لا تفهم، وإذا فهمت لا تطبق، وهو القول الذي أوجعنا كثيراً، خصوصاً أنه صادر عن عدو احتل أراضينا، ونال من كرامتنا، وأوجعنا أكثر، لأننا الأمة التي دعاها رب العالمين للقراءة في أول هبوط لسيدنا جبريل على نبينا الكريم لتكون أول آيات القرآن تنزيلاً: «اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم». ولكن ما يحدث يؤكد أن أمة اقرأ، لا تقرأ ولا تعلم ولا تتعلم.

تاريخنا مليء بالدروس والعبر، ولكن بعض أصحاب القرار لا يبحثون ولا ينبشون قبل أن يتخذوا القرارات المصيرية التي تنال منا جميعاً، وتحولنا إلى أمة مرهونة الإرادة للخارج، وهؤلاء فقدوا صوابهم؛ وبدلاً من أن يكونوا حراساً على الأوطان، جلبوا إليها الطامعين، وسلموهم مفاتيح الخزائن بعد مفاتيح العقول والدول.. دعوهم لأن يسرحوا ويمرحوا في بلادنا بعد السطو على بشرها وكنوزها ونفطها وذهبها وكرامتها، والمقابل فقط هو حماية هؤلاء الفاسدين، وتركهم جالسين على عروش الخراب والخيبة.

من يرَ ما يحدث في ليبيا بعد اتفاق اللافائز السراج رئيس حكومة اللاوفاق مع سيده اللا طيب أردوغان، على تسليمه مفاتيح ليبيا مقابل حمايته من الجيش الوطني الليبي، يستعد صفحات من تاريخنا غير المشرف عندما استعان بعض حكامنا بالمستعمر لحمايته، وتاريخنا لا يخلو من اتفاقيات الحماية التي شرّعت الوجود العثماني أو الإنجليزي أو الفرنسي أو غيرهم في بلادنا. ومن هذه النماذج كان الخديوي توفيق عندما استعان بالإنجليز عام ١٨٨٢ لحمايته من أحمد عرابي ورفاقه، لينتهي الأمر بالمناضل الوطني خائناً، وبالخائن حاكماً لا يحكم، فقط يكفيه أن يجلس على العرش المتهاوي بعد أن سلم القرار والإرادة والوطن للطامع الأجنبي، وبعد تمكن الإنجليز من مصر، وقعوا معها اتفاقية حماية لشرعنة وجودهم عام ١٩١٤.

للأسف، بعض قادة اليوم لا يقرؤون التاريخ ولا يتعلمون، فبعد تسليم سوريا للطامع الأجنبي، يعيد السراج الكرة مرة أخرى، ويسلم ليبيا إلى أردوغان، وكأنه لا يعلم أن التاريخ يخبرنا أن أجداد أردوغان من العناصر سيئة السمعة ودموية السيرة بعد أن أدموا تاريخنا وسلبوا العرب خيراتهم، ولم نرث منهم سوى الجهل والتخلف، أما دروس الحاضر، فلم تخدعنا وتؤكد لنا أن أردوغان أكثر سوءاً من أجداده، وأكثر طمعاً من كل سابقيه من سلاطين الوهم العثماني.

السراج لن يكون فائزاً أبداً، بعد أن عجز عن فهم دروس التاريخ، وتعامى عن دروس الحاضر، ولو أراد أن يبصر الحقيقة لالتفت لأفعال سيده أردوغان في سوريا، وما حاول فعله في العراق، ولحاول أن يستوعب أكاذيبه وتحرشاته مع مصر والسعودية والإمارات، وإن عجز عن الاستيعاب كان يمكنه أن يسأل أحداً غير حاشيته والمحيطين به الذين لا يقلون عنه ضلالاً.

مبادرة السلام التي أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي من القاهرة، مؤخراً، بحضور المستشار عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي، والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، لا تحمل انحيازاً، ولا تغلب سوى المصلحة الوطنية الليبية، وترتكز على إغلاق الطرق على الطامعين والإرهابيين، وفتح الطريق أمام المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة لاحتضان القضية للوصول بالشعب الليبي إلى بر الأمان بعد إجراء انتخابات، ووضع إعلان دستوري، وتقاسم السلطة والثروة بين أبناء الأقاليم الثلاثة، وإشراك قبائل وشباب ونساء ليبيا في القرار من دون تمويهات، ولم يكن متوقعاً من حكومة اللاوفاق وسيدها وسيد الطامعين أردوغان غير ما أعلنوه رداً على «إعلان القاهرة».

معظم الأطراف الدولية والعربية الحريصة على استقرار ليبيا ووحدتها وعودتها لأهلها، سارعوا لتأييد المبادرة واعتبار بنودها منطلقاً لمؤتمر دولي للحل، بينما كان أردوغان والسراج مشغولين ببحث توسيع الاتفاق وتسليم مفاتيح ليبيا كاملة إلى الطامع العثماني، وتفويت أي فرصة لحل الأزمة.

اللاطيب واللافائز يواصلان ارتكاب جرائمهما السياسية، وميليشياتهما بمرتزقيها تعيث في الأرض الليبية إفساداً واعتداءً على الحرمات، وتنكيلاً بالناس، وسطواً على ممتلكاتهم، والمطلوب ليس أكثر من ذلك.

سلطان الوهم سيعيق أي حل في ليبيا، ولن يقبل إلا بإشعال الإقليم كله، ووقتها سيجني هو ومن سلمه مفاتيح الخزائن الليبية حصاداً مراً لأفعالهما.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"