صيف ثقيل على المغتربين

05:08 صباحا
قراءة دقيقتين
جمال الدويري

يعيش ملايين المغتربين هذا العام، أسوأ سنوات اغترابهم، ففي مثل هذه الأيام كانت تزدحم بهم الأسواق، باحثين عن هدايا الأهل والأحبة، يدخلون في دوامة أسعار التذاكر ومواعيد الحجز، وأوقات الوصول والمغادرة، وكل التفاصيل الجميلة التي يبدأ المغترب التحضير لها، قبل موعد سفره بشهرين، وأحياناً أكثر.
كم من مغترب فقد أمه أو أباه، أو عزيزاً عليه، ولم يتسن له السفر لإلقاء نظرة الوداع عليه، أو تقبيله ومواراته في الثرى، والجلوس على قبره، والبكاء على كل ذكرى أو لحظة عاشاها معاً.
كثير منهم في مثل هذه الأيام، كانوا يعدون الساعات لسماع «على ركاب رحلة...»، فطنينها في الأذن جميل، حنون، يربطهم بعبق الآباء والأمهات والإخوة والأخوات، يحملون معهم قصص العمل والحياة والغربة، وهم يحضرون لأبنائهم العائدين ما فاتهم من حكايا وقصص، و«أكلات» أيضاً.
ثقيل هذا الخبيث «كورونا»، حرم الناس متع الحياة ولقاء الأحبة. حرم الأمهات متعة احتضان أبنائهن، والجلوس معهم، وبدء قصص لا تنتهي، حتى بزوغ الفجر. حرم الأطفال لحظات لقاء الأجداد وأبناء العمومة، والتسكع في الأحياء والشوارع، بلا حسيب أو رقيب.
كم من أم كسر قلبها «كورونا» وأبقاها على سريرها، أو في حديقتها تنتظر وصول ولدها الذي تعد أيام السنة بدل المرة مرتين، ليعود إليها محملاً بالحنين، والحكايا، كم من شريان دم جديد تجعّد في يدها ولم يره، فمعها أول اللقاء، ولها أولى القبلات.
كم من طفل كسر خاطره «كورونا»، فحرمه متعة الركض للقاء ابن عمه أو خاله للعب معه، والعبث بأغراض الأجداد والجدات واستباحتها! كم من أخت حرمت لحظة لقاء أختها وتبادل الهدايا والمغامرات، وكل شيء مهم أو غير مهم في هذه الحياة!
كم من عريس تأجل زواجه، لأنه لا يستطيع لم شمل الأصدقاء والأقارب للفرح له! وكم عزاء أقيم على «واتس آب» بلا زيارة لقبر الفقيد! كم من نجاح علق برسم انتظار «رفع القيود»! وكم من حفلة تخرج طارت من دون أن تطير قبعات الخريجين!
«كورونا» اللعين الذي لم نره بأعيننا ولن نراه، قلب حياتنا رأساً على عقب، وغيّر مسارها بأكملها، حرمنا من كل شيء جميل، بدد كل الخطط، حبس أشواق المغتربين داخل صدورهم، وحوّل الأمهات إلى «مدعيات» بأن الأمر عادي يا ولدي، ما دام في مصلحتك؛ لكن في قلبها ناراً تتوقد لرؤيته.
المغتربون يجوبون العالم بأسره، لكن مغتربي الإمارات محظوظون في بلدهم الثاني، يعيشون في كنف قيادة لم تذكر اسم أبناء الوطن إلا وذكرت اسم و«أهلنا المقيمين».
غيمة هذا الفيروس بدأت تنقشع، ودبي اليوم، تعود إلى مقاعد العمل، بطاقتها الكاملة، وألقها الكامل، وحيويتها المعهودة؛ لكن علينا جميعاً الالتزام، والوقاية حتى نعود ونسمع «على ركاب طائرة طيران الإمارات التوجه...».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مساعد مدير التحرير، رئيس قسم المحليات في صحيفة الخليج

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"