الشائعات تلف الأرض و«المنظمة» تائهة

04:26 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود حسونة

الكرة الأرضية أصبحت بيئة خصبة للشائعات بشأن الوباء، بعد أن أصبح ملموساً للمشرقي والمغربي والشمالي والجنوبي غياب الخبر اليقين.

لم يسبق للبشرية أن عاشت زمناً يشبه زماننا في القيل والقال. كمية من الأكاذيب والفتاوى بشأن فيروس كورونا أصبحت تئن منها مواقع التواصل الاجتماعي. أطباء وأشخاص عاديون ودجالون يعتبرون أنفسهم خبراء في علم الأوبئة والأعشاب يملؤون «السوشيال ميديا» بكلام ووصفات وحكايات ونصائح عن كورونا؛ منشؤه وكيفية انتقال العدوى وأساليب الوقاية، والأدوية التي تنفع وتلك التي تضر، والمشروبات التي تعالج والأكلات التي تقوي المناعة..

كلام في كلام وفيديوهات كلها معلومات متناقضة، وصور مزيفة وغير مزيفة، والنتيجة أن الناس فقدوا القدرة على التمييز بين الصالح والطالح؛ بين الكلام العلمي والشعوذة.

لا مراقبة ولا جهات علمية ولا حكومات ولا مؤسسات دولية ترد، ولو أرادت لن تستطيع أن ترد على هذا السيل الجارف من الكلام المزيف، بعد أن أصبح عدد الباحثين عن الشهرة على حساب كورونا، أكثر من عدد مرضاه حول العالم!

ولعل ما ساعد على انتشار الغث وتصاعد وتيرة القيل والقال، هو أن الكرة الأرضية أصبحت بيئة خصبة للشائعات بشأن الوباء، بعد أن أصبح ملموساً للمشرقي والمغربي والشمالي والجنوبي، غياب الخبر اليقين. فما يقال اليوم من جهات دولية ورسمية قد نسمع نقيضه غداً، وعندما تقع منظمة الصحة العالمية في هذا المستنقع، فلا غرابة أن يعيش العالم كله في حالة حيص بيص، وهو ما يفتح المجال واسعاً أمام تجار الأزمات ومصاصي الدماء لممارسة هواياتهم، وانتهاز فرصة غياب الحقيقة لتحقيق مآربهم.

منظمة الصحة العالمية، بدلاً من أن تقود العالم للخروج من هذه الأزمة، تُغرقه فيها، بعد أن عجزت عن تقديم المعلومة المؤكدة منذ بدء انطلاق الوباء حتى اليوم، فلا هي تعرف له منشأ، ولا تاريخاً محدداً لانطلاقه، مصيباً ثم مبيداً لأهل الأرض، ولا وسيلة محسومة للهروب منه، ولا سلاحاً فعالاً لمقاومته، ومنعه من التمكن من ضحاياه، ولا موعداً لرحيله عن عالمنا، ولا موسماً لعودته.

منظمة الصحة التي تتخذها الدول مرشداً وتتخذ الحكومات قراراتها بناء على نصائحها، ويصرح الوزراء بناء على معلوماتها، هي نفسها تحتاج إلى مرشد وتلزمها النصيحة، وما تُعلنه تنقصه الدقة.

قبل أيام أعلنت المنظمة على لسان ماريا فان كيرخوف، رئيسة وحدة الأمراض حيوانية المنشأ، أن الأشخاص المصابين بكورونا ولا تظهر عليهم أعراضه، لا يشكلون أي خطر على المتعاملين معهم؛ لأنهم لا ينقلون العدوى، وبعد يوم واحد تراجعت عن هذا الكلام جملة وتفصيلاً وأعلنت نقيضه، وهو أن فرص انتقال العدوى من الحاملين للفيروس بلا أعراض «كبيرة جداً». بالله عليكم هل نصدق هذه الماريا أم تلك الماريا؟

التصريح الأول بنته المسؤولة الدولية على دراسة، والتصريح الثاني بنته على دراسة أخرى، قدمت أدلة وبراهين أكثر، وهو ما يؤكد أن مسؤولي المنظمة تحولوا إلى مجرد ناقلين لمعلومات الغير، ومروجين لأكاذيب المتسرعين؛ شأنهم في ذلك شأن إعلام الإثارة.

ليست هذه وحدها المعلومة التي ضللت بها مرجع مراجع الصحة العالمية أهل الأرض، ولكنها حيرت الناس أيضاً بشأن الكمامة، حيث أعلنت وجوب ارتدائها فقط للفرق الطبية المخالطة والمعالجة للمصابين، ثم عادت ونصحت بأن يرتديها كل الناس كأسلوب للوقاية، وكذلك تضاربت مواقفها بشأن تكوّن مناعة لدى المتعافين من كورونا، من عدمها، حيث نفت الأمر ثم عادت وأكدته.

المنظمة كانت أيضاً طرفاً في جدل حول العلاج بدواء «هيدروكسي كلوروكين»، ثم التحذير منه، ونفس الأمر مع دواء «آيبوبروفين».

وبصرف النظر عن موقف ترامب من المنظمة، فإنه إذا كانت حالة «حيص بيص» التي تعيشها في ظل هذا الوباء ناتجة عن جهل وعدم وعي بما يقال، وما لا يقال، فهي مصيبة كبرى، وإن كانت وراء هذه الحالة أهداف سياسية فالمصيبة أكبر، والكارثة لا تقل حجماً عن حجم الكرة الأرضية التي اكتوت ملياراتها الثمانية بنار هذا الوباء، ومواقف المنظمة الدولية منه، سواء بالخوف والرعب أم الإصابة أم الموت، أم الجوع وفقدان الوظيفة، وعجز مسؤولي الصحة عن تحمل مسؤولياتهم.

قد نتقبل أن يصدر إلينا باحث عن شهرة أو تاجر أزمة أو مشعوذ، معلومة مضللة، ولكن لا يمكن تقبلها من منظمة دولية، وعلينا البحث والتدقيق حتى نتأكد من صحة ما يرد إلينا من تلك التي ما زلنا نعتبرها منظمة عالمية!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"