سياسة الـ «ترانسفير» ما زالت قائمة

03:22 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

«إسرائيل»، وبدعم أمريكي، تأمل بتوطين الفلسطينيين في دول أخرى، وتحويلهم لجنسيات أجنبية تنسيهم حقوقهم الوطنية

يظل التهجير الفلسطيني محور العقيدة التوسعية الصهيونية منذ بداية مشروعها في فلسطين وحتى الآن، فالفكرة لم تكتمل بعد لأن المشروع الصهيوني ما زال مستمراً على الأرض العربية. وقد كشف الجنرال إيهود باراك مؤخراً في ذكرى الانسحاب الأحادي من جنوب لبنان سنة 2000 أن التخطيط العسكري الاستراتيجي «الإسرائيلي» آنذاك الذي وضعه أرييل شارون كان يرمي إلى تهجير الفلسطينيين من لبنان نحو الأردن وإقامة دولة فلسطينية في الأردن وتسليم لبنان إلى حلفاء «إسرائيل»، لكن ظروفا أدت إلى استحالة تطبيق المخطط على الأرض. فالمشروع الصهيوني يبقى في حالة بحث عن فرص لحل المسألة الفلسطينية أو الجانب الآخر من المسألة اليهودية على حساب الأرض العربية خارج فلسطين، لأن الفكر الصهيوني المتجدد بات يرى في الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين انتقاصاً من المشروع الصهيوني، وبالتالي فإن السياسة «الإسرائيلية» الحالية ما زالت تتسمك بالترحيل والتطهير العرقي حتى ضمن مشروع صفقة القرن. فحكام تل أبيب بمختلف انتماءاتهم الحزبية كانوا وما زالوا دعاة ترانسفير وتهجير للفلسطينيين.وقد كان أرييل شارون صاحب فكرة تهجير الفلسطينيين باغتنام فرصة حرب ما وطردهم شرقا إلى الأردن. وحتى اسحق رابين كان يؤيد مثل هذا الطرح عندما كان وزيراً للجيش وأبلغ قادة المستوطنين في الأغوار سنة 1988 «أننا ما كنا لنفكر في الانسحاب من الضفة لو كان عندنا مليون مستوطن فيها».

ويبدو أن الحكومات «الإسرائيلية» المتعاقبة تحاول تحقيق هذا الهدف حيث ضخت أكثر من نصف مليون مستوطن في القدس الشرقية والضفة حتى الآن خاصة بنيامين نتنياهو الذي ورث الفكر التهجيري عن والده بن تسيون نتنياهو وهو أحد المخلصين لفكر جابتونسكي الصهيوني الذي يؤمن بأنه من المستحيل إقامة دولة يهودية بوجود أغلبية عربية إلا بإقامة جدار حديدي يفصلها عن العرب، ومن هنا جاءت فكرة الجدارالاستيطاني

الفاصل الحالي ومن هنا نفهم أن المشروع الصهيوني يبقى ناقصاً بسبب وجود عرب في فلسطين، لذلك فإن مبدأ الترانسفير يظل راسخا في لب المشروع الصهيوني من سنة 1948 حتى الآن مرورا بمشاريع تهجير عديدة فشلت عبر العقود الأخيرة وآخرها مشروع تشجيع الفلسطينيين على الهجرة من غزة على هامش صفقة القرن، وفتح المطارات «الإسرائيلية»، وترتيب سفرهم للخارج في حالة وجود دول لاستيعابهم.

وأكد وزير الأمن الداخلي جلعاد إردان، أنَّ الحكومة

«الإسرائيلية» ناقشت خمس مرات تهجير سكان قطاع غزة من خلال تشجيعهم على المغادرة بواسطة رحلات جوية.

وأوضح أنَّ «إسرائيل»، وبدعم أمريكي، تأمل بتوطين الفلسطينيين في دول أخرى، وتحويلهم لجنسيات أجنبية تنسيهم الماضي، وحقوقهم الوطنية، ويهدف هذا المقترح لتفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها، ويُعد تطهيراً عرقياً طالما استخدمته حكومة الاحتلال «الإسرائيلي» ضد المدنيين الفلسطينيين.

تعود المخططات «الإسرائيلية» لتهجير الفلسطينيين إلى فترة انتهاء الحرب «الإسرائيلية» العربية الأولى في سنة 1948، حين خرجت أفكار عديدة لبحث مستقبل العرب المقيمين في الكيان الصهيوني الجديد، حيث أعلن ديفيد بن جوريون أول رئيس حكومة «إسرائيلية» أنَّ «العرب يجب ألّا يبقوا هنا، كما أنَّ يهود أمريكا يجب ألّا يبقوا هناك، وسأبذل كل جهدي كي يكون العرب في دولة عربية». وفي عدوان سنة 1967 دفعت «اسرائيل» مئات الألوف من الفلسطينيين إلى الهجرة نحو الأردن وبعدها طرحت خطة لتسهيل التنقل بين غزة والضقة ثم الأردن لدفع سكان غزة إلى الهجرة طوعا دون أن يلاحظ أحد هذا التطهير العرقي.

كما تدخل الأمريكيون سنة 1968 حيث بحثت لجنة في الكونجرس خطة للتهجير الطوعي لنقل 200 ألف فلسطيني من غزة إلى عدد من دول العالم، بينها: ألمانيا الغربية، والأرجنتين، وباراجواي، ونيوزيلندا، والبرازيل، وأستراليا، وكندا، والولايات المتحدة، لكنَّ الخطة لم تخرج إلى حيِّز التنفيذ، إما لأنَّ الفلسطينيين لم يوافقوا على الهجرة، أو لأنَّ الدول لم توافق على استيعابهم.

تبقى الآن صفقة القرن التي ترمي إلى حصار الفلسطينيين في كانتونات ضيقة في الضفة ضمن حكم ذاتي محدود قابل للتهجير تحت غطاء أي حرب تعصف بالمنطقة، كما قال شارون قبل عقود.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"