استجابة العالم للموجــة الثــانيــة

02:16 صباحا
قراءة 4 دقائق
كلارا فيراري ماركيز *

في كل مرة يتم فرض عمليات الإغلاق الصارمة الشاملة يصبح تنفيذها أكثر صعوبة، خاصة في الأسواق الناشئة التي تضررت اقتصاداتها بشدة.

تعد المكسيك، والهند، وباكستان، من بين الدول التي سجلت أعداداً قياسية من الإصابة (بكوفيد-19) في الأيام الأخيرة، بعد رفع القيود الصارمة التي أبقت الشوارع فارغة نتيجة التزام الناس بتعليمات التباعد الاجتماعي. وتتكرر القصة نفسها في بعض الولايات الأمريكية مثل تكساس، وفلوريدا، وكاليفورنيا. وفي بكين، تسببت مجموعة من الحالات المرتبطة بسوق الجملة، بإثارة القلق خلال عطلة نهاية الأسبوع.

هل يعني ذلك العودة مجدداً إلى الإغلاق؟ يقول وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوشن «لا». لكن واقع الحال يقول شيئاً آخر.

ففي باكستان، ارتفعت الأرقام الرسمية بشكل كبير لدرجة أن ما يقرب من واحد من كل خمسة من الذين تم اختبارهم كانت نتيجة اختبارهم إيجابية، وهو مؤشر مثير للقلق، سواء لجهة مدى الانتشار، أو طاقة الاختبارات غير المناسبة. وهناك نظام صحي هش ومرهق، وقد نفدت كل الأسرة في المشافي. وتسجل الدولة الآن أكثر من 6000 حالة جديدة في اليوم، مقارنة بأقل من 1000 حالة قبل أن تبدأ القيود بالتراجع في مايو/ ايار. إنها في الواقع تتزايد بسرعة كبيرة، لدرجة أن منظمة الصحة العالمية اتخذت الخطوة المعتادة في توصية المسؤولين بإعادة فرض أوامر الحجر في المنزل. ومع مراعاة الحقائق المالية للاقتصاد المتدهور، تقترح المنظمة العالمية تطبيق القيود لمدة أسبوعين.

قد يبدو هذا حلاً غير تقليدي، ومع ذلك لا يوجد حل آخر، وسوف يفرض على العديد من الدول الالتزام به في محاولاتها السيطرة على موجات جديدة من العدوى، رغم استمرار تردي الاقتصادات المتهالكة، وغياب لقاح فعّال في المدى المنظور.

ويبدو أن حفنة من البلدان الأوروبية تعود إلى ما يشبه الحياة الطبيعية بشكل سلس نسبياً. وبالنسبة إلى معظم العالم، لن يكون التحول من الإغلاق الكلي إلى الحياة الطبيعية التي كانت سائدة قبل تفشي الوباء، بلا مشاكل. هذا لا يعني أنه يمكننا استبعاد خيار القيود الجديدة بشكل سلبي إذا نتج عن تطور الأوضاع حاجة إلى زيادة حالات دخول المستشفى، بغض النظر عما يقوله منوشين. على سبيل المثال، قال المسؤولون في منطقة هيوستن، الأسبوع الماضي، إنهم سوف يفكرون في إعادة فرض أوامر البقاء في المنزل، للتعامل مع ما يستجد من تطورات.

وفي كل مرة يتم فرض عمليات الإغلاق الصارمة الشاملة يصبح تنفيذها أكثر صعوبة، خاصة في الأسواق الناشئة التي تضررت اقتصاداتها بشدة. وتُقدِّر «كابيتال إيكونوميكس» أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في جنوب آسيا، على سبيل المثال، سيكون أقل بنسبة 9% بحلول نهاية عام 2022، مقارنة بالتقديرات التي كانت معتمدة قبل تفشي الوباء.

ولكن هل يمكن لأي من البدائل المرنة، من النوع الذي تقترحه منظمة الصحة العالمية، أن يكون عملياً؟

بالنسبة إلى باكستان التي ينبغي عليها الالتزام بتعليمات هيئة الأمم المتحدة، فإن العوائق التي تحول دون جدوى الإغلاق الكلي للاقتصاد واضحة تماماً، وهي العوائق نفسها التي تمنع الحكومات الأخرى من اللجوء إليه والبحث عن طرق أكثر مرونة في المرة الثانية.

أولاً، ليس لدى إسلام آباد ما يكفي من طاقة الاختبارات، والكشف، والتعقب، ما يعني أنها لا تجمع البيانات اللازمة لاتخاذ القرارات المناسبة، وإبقاء المجموعات البشرية المستهدفة تحت السيطرة. كما أن عدم الثقة العامة بالتحذيرات الحكومية تحمل القدر نفسه من الخطورة، إضافة إلى عدم تعاون الهيئات المجتمعية النافذة، كما حصل مع التضليل حول شلل الأطفال، وهذا يعني أن العواقب ستكون وخيمة.

ويتطلب الحصول على أفضل النتائج الاقتصادية والاجتماعية حداً كافياً من الثقة والوضوح، وتوفير البيانات الدقيقة. وفي حالات عدم وجودها، يصبح الإغلاق هو البديل المتاح للحكومات، أو التكتيكات الانتقائية، وإغلاق البؤر الساخنة، وهذا أكثر واقعية من تعليمات منظمة الصحة العالمية.

ومع ذلك، لا يعني أي من تلك السيناريوهات أن عمليات الإغلاق المدروسة، كما تصفها منظمة الصحة العالمية، ليست خياراً موثوقاً به في مواجهة وكبح انتشار الوباء.

ويشير بهرامار موخرجي، من جامعة ميشيجان، الذي كان يعمل على تحديد نماذج تفشي المرض في الهند، إلى أن عمليات الإغلاق المرنة أثناء الموجة الثانية من تفشي الوباء ليست ضرورية فقط، ولكنها قد تكون مطلوبة، في بيئة لا يمكن القضاء على الوباء كلياً قبل إعادة الافتتاح، فكيف بتحقيق معدلات اختبارات موازية، كما في آيسلندا مثلاً. ويصبح المعيار دقيقاً في الحالة التي لا يمكن فيها تطبيق الحجر الكلي، كما في الهند.

وليست عمليات الإغلاق علاجاً شافياً، خاصة عندما تفشل الحكومات في استغلال الوقت للتحضير، أو العودة إلى وضعها الطبيعي بسرعة كبيرة. كما أنها ليست الطريقة الوحيدة للسيطرة على الفيروس. وقد تساعد العلاجات البسيطة مثل تعزيز إجراءات التعقيم والنظافة، وتقييد التجمعات الكبيرة. كما تعتبر عمليات الإغلاق، في نسختها الأكثر مرونة، واحدة من الأدوات القليلة التي اعتمدتها دول العالم لمعالجة الجائحة التي قد تدوم أشهراً طويلة.

ولسوء الحظ، تتطلب المواجهة الفعالة ثقة، وحزماً، ونوعية بيانات أفضل، ما يعني أن الدول التي لا تتوفر فيها تلك العناصر، مثل باكستان، ستبقى الأقل قدرة على تحقيق الأهداف المنشودة.

* بلومبيرج

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"